١٢ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رحمه الله -: وقد يُسْتَدلّ بهذا الحديث على أن تغير ريح الماء بالمخالط النجس لا يخرجه عن أصله، كما لم يُخرج الدم عن كونه دمًا استحالةُ رائحته إلى رائحة المسك، وهو قول عبد الملك في رائحة الماء أنها لا تفسده، ولا تخرجه عن أصله، وقد استُدِلّ به أيضًا على نقيض ذلك، وهو أن تغيّر الرائحة يخرجه عن أصله، كما هو مذهب الجمهور، ووجه هذا الاستدلال أن الدم لمّا استحالت رائحته إلى رائحة المسك خرج عن كونه مستخبثًا نجسًا، وأنه صار مسكًا، وأن المسك بعض دم الغزال، فكذلك الماء إذا تغيرت رائحته، وأخرج البخاريّ هذا الحديث في المياه، وتُؤُوِّل له كلا التأويلين. انتهى (١).
وقال الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله -: وزعمت طائفة بأن في هذا الحديث دليلًا على أن الماء إذا تغيرت رائحته بشيء من النجاسات، ولونه لم يتغير أن الحكم للرائحة دون اللون، فزعموا أن الاعتبار باللون في ذلك لا معنى له؛ لأن دم الشهيد يوم القيامة يجيء، ولونه كلون الدماء، ولكن رائحته فَصَلَت بينه وبين سائر الدماء، وكان الحكم لها، فاستدلوا في زعمهم بهذا الحديث على أن الماء إذا تغير لونه لم يضرّه، وهذا لا يُفْهَم منه معنى تسكن النفس إليه، ولا في الدم معنى الماء، فيقاس عليه، ولا يَشتغل بمثل هذا من له فَهْم، وإنما اغتَرَّت هذه الطائفة بأن البخاريّ ذَكَر هذا الحديث في باب الماء، والذي ذكره البخاري لا وجه له يُعْرَف، وليس من شأن أهل العلم اللغو به، وإشكالُه، وإنما شأنهم إيضاحه وبيانه، وبذلك أخذ الميثاق عليهم في قوله:{لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: ١٨٧]، وفي كتاب البخاريّ أبواب لو لم تكن فيه كان أصح لمعانيه، والله الموفق للصواب.
والماءُ لا يخلو تغيّره من أن يكون بنجاسة، أو بغير نجاسة، فإن كان بنجاسة، فقد أجمع العلماء على أنه غير طاهر، ولا مطهر، وكذلك أجمعوا أنه إذا تغيّر بغير نجاسة أنه طاهر على أصله، وقال الجمهور: إنه غير مطهر، إلا أن يكون تغيّره من تربته وحمأته، وما أجمعوا عليه فهو الحقّ الذي لا إشكال