للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[عبس: ٦]، و {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} [القدر: ٤]، قال في "الخلاصة":

وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ … فِيهِ عَلَى تَا كَـ "تَبَيَّنُ الْعِبَرْ"

وقوله: (دَمًا) منصوب على التمييز المحوّل من الفاعل، إذ أصله يتفجّر دمه.

(اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ")؛ أي: رائحته رائحة المسك، و"العرف" بفتح العين المهملة، وسكون الراء، في الأصل: الرائحة مطلقًا، ثم كَثُر استعماله في الرائحة الطيّبة.

والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته أنه يَشْهَد لصاحبه بفضله، وعلى ظالمه بفعله، وفائدة رائحته الطيبة أن تنتشر في أهل الموقف؛ إظهارًا لفضيلته أيضًا، ومن ثَمّ لم يُشرع غسل الشهيد في المعركة (١).

(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) تقدّم بلفظ "المسلمين"؛ إذ هو بمعناه، فهما كالفقير والمسكين إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا، ففي حديث سؤال جبريل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، والإسلام، افترقا، فقد فسّر له كلًّا منهما بغير ما فسّر به الآخر.

وفي رواية البخاريّ: "والذي نفسي بيده لولا أن رجالًا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم"، في رواية: "لولا أن أشق على أمتي".

وفي هذه الرواية تفسير للمراد بالمشقة المذكورة، وهي أن نفوسهم لا تطيب بالتخلّف، ولا يقدرون على التأهب؛ لعجزهم عن آلة السفر، من مركوب وغيره، وتعذّر وجوده عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وصرّح بذلك في قوله: "ولكن لا أجد سعةً، فأحملهم، ولا يجدون سعةً، فيتبعوني. . ."، وعند الطبرانيّ من حديث أبي مالك الأشعريّ: "ولو خرجت ما بقي أحد فيه خير إلا انطلق معي، وذلك يشقّ عليّ، وعليهم".

ثم إن إيراد هذه الجملة - أعني قوله: "والذي نفسي بيده. . . إلخ" - عَقِب ما تقدّم إرادة تسلية الخارجين في الجهاد عن مرافقته لهم، وكأنه قال:


(١) "الفتح" ١/ ٥٨٧، كتاب "الوضوء" رقم (٢٣٧).