للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِيّ بِاللهِ رَبًّا) منصوب على التمييز؛ أي: من حيث كونُهُ ربًّا؛ أي: من رضي بربوبيته على وفق قضائه وقدره، من خيره وشرّه، وحُلْوه، ومرّه، (وَبِالإِسْلَامِ دِينًا)؛ أي: من حيث الدينُ؛ أي: رضي بشرائعه، وأحكامه، من المأمورات والمنهيّات، (وَبِمُحَمَّدٍ) - صلى الله عليه وسلم - (نَبِيًّا)؛ أي: من حيث كونُه رسولًا؛ أي: رضي برسالته الموجبة لمتابعته في أقواله، وأفعاله، وأحواله.

قال صاحب "التحرير": معنى رضيتُ بالشيء: قنِعتُ به، واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره، فمعنى الحديث: لم يطلب غير الله تعالى، ولم يَسْعَ في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -. (وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" أي: ثبتت، وتحقّقت، وعبّر بالماضي مبالغةً في تحقّق وقوعها.

وفيه فضل عظيم لمن اتّصف بالرضى المذكور، حيث وجبت له الجنّة، وذلك لأن رضا العبد بهذه المذكورات دليل على ثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته، ومخالطة الإيمان قلبه، فتسهل عليه الطاعات، وتلذّ له، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث العبّاس بن عبد المطّلب - رضي الله عنه -: "ذاق طَعْم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولًا"، رواه مسلم.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "من رضي بالله ربًّا. . . إلخ"؛ أي: من مات على ذلك فلا بدَّ له من دخول الجنَّة قطعًا، ولو أُدخل النار في كبائر عليه فمآله إلى الجنة على كل حال. انتهى (١).

(فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ) فيه التفات، إذ الظاهر أن يقول: فعجبت لها؛ أي: عجب أبو سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - لأجل هذه الكلمات، أو لهذه القضيّة. (فَقَالَ) أبو سعيد (أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ) إنما استعاده؛ ليحفظه، ويستبشر به، (فَفَعَلَ)؛ أي: فأعاده - صلى الله عليه وسلم - مرّة ثانيةً (ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("وَأُخْرَى) يَحْتَمِل أن يكون مرفوعًا، مبتدءًا خبره محذوف؛ أي: عندي خصلة أخرى، وأن يكون مفعولًا لفعل محذوف؛ أي: أعلّمك خصلة أخرى، وقال الطيبيّ: "أخرى" صفة موصوف محذوف، وهو مبتدأ، وقوله: "يُرفع" خبره، أو منصوب على إضمار


(١) "المفهم" ٣/ ٧١٠.