للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَامَ رَجُلٌ) قال صاحب "التنبيه": لا أعرفه (١). (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ)؛ أي: لإعلاء كلمة الله - سبحانه وتعالى -، (تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟) وفي رواية النسائيّ من طريق يحيى بن سعيد الأنصاريّ، عن سعيد المقبريّ: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيل الله صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مُدْبِر، أيكفّر الله عنّي خطاياي؟ "، (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ) يكفّرها عنك، (إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ)؛ أي: مخلص نيّتك، ومدّخر ثوابه عند ربّك، فلا تريد به غير وجه الله - سبحانه وتعالى -، (مُقْبِلٌ) على العدوّ، وقوله: (غَيْرُ مُدْبِرٍ" أي: عن العدوّ، زاده لبيان كون الإقبال في جميع الأحوال؛ إذ قد يُقبل مرّة، ويُدبر مرّةً أخرى، فيصدق عليه أنه مقبلٌ. (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ قُلْتَ؟ " وفي رواية النسائيّ المذكورة: "فلما ولّى الرجل ناداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أَمَر ربه فنودي له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف قُلت؟، فأعاد عليه قوله. (قَالَ) الرجل (أَرَأَيْتَ، إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ) يكفّر عنك الخطايا كلّها، (وَأَنْتَ صَابِرٌ، مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ، غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ) بفتح الدال المهملة، والنصب على الاستثناء؛ يعني: أن القتل في سبيل الله على الصفة المذكورة لا يُكفر عنك ديون الخلق، فإن ديونهم لا يكفّرها إلا عفو صاحبه، أو استيفاؤه. (فَإِنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - قَالَ لِي ذَلِكَ")؛ أي: أخبرني بأن الدَّين لا يُكفَّر بالشهادة، وفي رواية عند أبي عمر: "إلا الدَّين، فإنه مأخوذٌ، كما زعم جبريل أي: قال، من إطلاق الزعم على القول الحقّ.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "أرأيت إن قتلت في سبيل؛ أيكفر عني خطاياي. . . إلخ": هذا بحكم عمومه يشمل جميع الخطايا، ما كان من حقوق الله تعالى، وما كان من حقوق الآدميين، فجوابه - صلى الله عليه وسلم - بـ "نعم" مطلقًا يقتضي تكفير جميع ذلك، لكن الاستثناء الوارد بعد هذا يبيّن أن هذا الخبر ليس على عمومه؛ وإنما يتناول حقوق الله تعالى خاصَّة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا الدَّين"،


(١) "تنبيه المعلم" ص ٣٢٨.