الْقَنَادِيلِ)؛ أي: ترجع إليها، تنزل فيها، ومأوى كلّ حيّ مسكنه الذي يقيم فيه؛ أي: تكون تلك القناديل بمنزلة الأوكار لها، وقوله:(فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ) عدّاه بـ "إلى" لتضمّنه معنى: فظهر. (رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً) منصوب على أنه مفعول مطلق لـ "اطّلع"؛ أي: تجلى لهم برفع الحُجُب عنهم، وكلّمهم مشافهة بغير واسطة، مبالغةً في الإكرام، وتتميمًا للإنعام، (فَقَالَ) ربهم - عز وجل - (هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟) وهذا السؤال مبالغة في إكرامهم، وتنعيمهم؛ إذ قد أعطاهم الله ما لا يخطر على قلب بشر، ثم رغّبهم في سؤال الزيادة، فلم يجدوا وراء ما أعطاهم من مزيد، لكن تلقّوا ذلك بالشكر بأن سألوه، يردّ أرواحَهم إلى أجسادهم؛ ليجاهدوا في سبيله، ويبذلوا أنفسهم في مرضاته، ويُقتلوا في شكر إحسانه، ويستلذّوا ألم القتل والموت لمكافأة بِرّه، ويجودوا بذواتهم له؛ إذ لم يقدروا على غاية فوق ذلك، والجُود بالنفس أقصى غاية الجود (١)، والله تعالى أعلم.
(قَالُوا: أي شَيْءٍ نَشْتَهِي؟ وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا) بالبناء للمفعول، وكذا في قوله:(مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ) تقدّم أنه يجوز فيه ستّ لغات، وهي التي في قول ابن مالك - رحمه الله - في "الخلاصة":
والسادس "يا ربُّ" بالبناء على الضمّ تشبيهًا له بالمفرد.
(نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ) بالبناء للفاعل، (أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا، حَتَّى نُقْتَلَ) بالبناء للمفعول، (فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ)؛ أي: مما في دار الجزاء، وأما ما ذكروه من الرجوع إلى الدنيا، والقتل مرّةً أخرى، فليس مما سُئلوا عنه؛ لأنه لا يتعلَّق بدار العمل التي انقضى أجلها. (تُرِكُوا") بالبناء للمفعول، وهذا السؤال إكرام من الله - سبحانه وتعالى - لهم، وزيادة في الإنعام عليهم حتى يُعطَوا ما يشتهونه في هذا العالم، لا في العالم الماضي، وجوابهم بقولهم: أي شيء نشتهي؟ اعتراف منهم بنهاية الإكرام، وشُكْر عليه، وأنهم ليست لهم حاجة ممكنة إلا وقد قضاها الله تعالى لهم، فأدركوها، فلم يَبق لهم شيء يحتاجون