للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والله تعالى أعلم بمراد نبيّه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "جزء من الجسد" هذا مما لا يخفى بطلانه، فأين النصّ الذي يدلّ على أن الجسد أو جزءًا منه يبقى مع روح الشهيد، فيُجعل في جوف طير؟.

وبالجملة فآخر كلام القاضي هو مناط البحث، وهو قوله: "والله تعالى أعلم بمراد نبيّه - صلى الله عليه وسلم -"، فالواجب على العاقل أن يسلّم ما صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يحرّف، ولا يخوض في تأويله بلا دليل، فإنه من القول بلا علم، وقد قال الله - عز وجل -: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦]، وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: ٣٣]، إلى أن قال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٦٩]، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقوله: (خُضْرٍ) صفة لـ "طيرٍ"، وهو بضم الخاء، وسكون الضاد المعجمتين: جمع أخضر؛ كأحمر، وحُمْر، كما قال في "الخلاصة":

"فُعْلٌ" لِـ "نَحْوِ أَحْمَرٍ وَحَمْرَا" … و"فِعْلَةٌ" جَمْعًا بِنَقْلٍ يُدْرَى

أي: جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طيور خُضْر خالية من الأرواح، على أشباح مصوّرة بصور الطيور، حتى تتلذذ الأرواح بنسب الأشباح، وفيه ردّ على من يقول: إن عذاب البرزخ ونعيمه إنما هو روحاني فقط (٢).

(لَهَا قَنَادِيلُ) بالفتح: جمع قِنديل بكسرها، (مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ) بفتح حرف المضارعة، والراء؛ أي: تأكل، وتشرب، وتتمتّع، وتتنعّم بأنواع نعيم الجنّة، يقال: سَرَحتِ الإبلُ سَرْحًا، من باب نَفَعَ، وسُرُوحًا أيضًا: رَعَتْ بنفسها، وسَرَحتها، يتعدَّى، ولا يتعدّى، وسرّحتها بالتثقيل مبالغة، وتكثير (٣). (حَيْثُ شَاءَتْ)؛ أي: في أي مكان شاءت، (ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ٣٠٦ - ٣٠٧.
(٢) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٢/ ١.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٢٧٣.