للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقد حصل من مجموع الكتاب والسُّنَّة، أن الأرواح باقية بعد الموت، وأنها منعَّمة، أو معذَّبة إلى يوم القيامة بعد الموت. انتهى (١).

٥ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رحمه الله -: قد تضمَّن هذا الحديث تفسير قوله تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، وأن معنى حياة الشهداء أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم، بأن جُعلت في أجواف طير، كما في هذا الحديث، أو في حواصل طير خُضْر، كما في الحديث الآخر؛ صيانةً لتلك الأرواح، ومبالغة في إكرامها؛ لاطّلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنِّعم، كما يطّلع الراكب المظَلَّل عليه بالهودج الشفّاف الذي لا يَحجب عما وراءه، ثم يُدْرِكون في تلك الحال التي يَسرحون فيها من روائح الجنة، وطِيبها، ونعيمها، وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به، وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعدَّ الله تعالى لها، ثم إن أرواحهم بعد سَرْحها في الجنة ترجع تلك الطير بهم إلى مواضعَ مكرَّمة مشرَّفة منوَّرة عبّر عنها بالقناديل؛ لكثرة أنوارها، وشدّتها، والله تعالى أعلم.

هذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء كما دلت عليه الآية، وهذا الحديث، وأما حديث مالك الذي قال فيه: "إنما نسمة المؤمن طائر تَعلق في ثمر الجنة"، فالمراد بالمؤمن هنا: الشهيد، والحديثان واحد في المعنى، وهو من باب حَمْل المطلَق على المقيَّد، وقد دلّ على صحة هذا قوله في الحديث الآخر: "إذا مات الإنسان عُرِض عليه مقعده بالغداة والعشيّ من الجنة والنار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة"، فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يُعرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ من الجنة، وهو في موضعه من القبر، أو الصور، أو حيث شاء الله تعالى غير سارح في الجنة، ولا داخل فيها؛ وإنما يدرك منزلته فيها بخلاف الشهيد؛ فإنه يباشر ذلك، ويشاهده وهو فيها، على ما تقدَّم، وكذلك أرواح الكفار تشاهد ما أعد الله لها من العذاب عند


(١) "المفهم" ٣/ ٧١٧.