للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَرْض ذلك عليها، كما قال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)} [غافر: ٤٦]، وعند هذا العرض تُدرك روح الكافر من الألم، والتخويف، والحزن، والعذاب بالانتظار ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله العافية، كما أنه يحصل للمؤمن عند عَرْض عليه الجنة من الفرح، والسرور، والتنعم بانتظار المحبوب ما لا عين رأت، ولا أُذُن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فإذا أعيدت الأرواح إلى الأجساد استكمل كل فريق منهم ما أعد الله له، وبهذا الذي ذكرناه تلتئم الأحاديث، وتتفق، والله تعالى وليّ التوفيق (١).

٦ - (ومنها): ما قال القاضي عياض - رحمه الله -: قال هنا: "أرواح الشهداء"، وقال في حديث مالك: "إنما نسمة المؤمن"، والنسمة تُطلق على ذات الإنسان جسمًا وروحًا، وتُطلق على الروح مفردةً، وهو المراد بها؛ لتفسيرها في هذا الحديث بالروح، ولِعِلْمنا بأن الجسم يفنى، ويأكله التراب، ولقوله في الحديث: "حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه"، قال القاضي: وذكر في حديث مالك: نسمة المؤمن، وقال هنا: الشهداء، فقيل: المراد هناك الشهداء؛ لأن هذه صفتهم؛ لقوله تعالى: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} الآية [آل عمران: ١٦٩]، حسبما فسّره في الحديث، وخصّه بهم، وأما غيرهم فإنما يُعرَض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، كما جاء في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وكما قال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية [غافر: ٤٦]، وقيل: بل المراد جميع المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير عذاب، فيدخلونها الآن؛ بدليل عموم الحديث، وقيل: بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم، والله أعلم. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم.

٧ - (ومنها): أن في قولهم: "نريدُ أن تَرُدَّ أرواحَنا في أجسادنا" دليلًا على أن مُجرَّد الأرواح هي المتكلِّمة، ويدلُ على أن الروحَ ليس بِعَرَض، خلافًا لمن ذهب إلى ذلك، وفيه ردٌّ أيضًا على التناسخية، وأن أجوافَ الطير ليس أجسادًا لها، وإنما هي مُودعة فيها على سبيل الحفظ والصيانة والإكرام، وهذا


(١) "المفهم" ٣/ ٧١٥ - ٧١٦.
(٢) "إكمال المعلم" ٦/ ٣٠٦ - ٣٠٧.