للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كلُه يدلُّ على أن لمنزلة الشهادة من خصوص الإكرام ما ليس لغيرها من أعمال البِرّ، كما قال في الحديث الآخر: "ليس أحد له عند الله خير يتمنى أن يرجعَ إلى الدنيا إلا الشهيد؛ لِمَا يرى من فضل الشهادة" (١)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): في اختلاف الناس في حقيقة الروح:

قال القاضي عياض - رحمه الله -: قد اختلف الناس في الروح، ما هي؟ اختلافًا لا يكاد ينحصر، فقال كثير من أرباب المعاني، وعلم الباطن المتكلمين: لا تُعرف حقيقتها، ولا يصحّ وصفها، وهو مما جَهِل العباد عِلْمه، واستدلّوا بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)} [الإسراء: ٨٥]، قالوا: وهو أمر ربّانيّ إلهيّ.

وغَلَت الفلاسفة، فقالت بقِدم الروح، وقال جمهور الأطباء: هو البُخَار اللطيف الساري في البدن، وقال كثيرون من شيوخنا: هو الحياة، وقال آخرون: هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته، أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه، وقيل: هو بعض الجسم، ولهذا وُصف بالخروج، والقبض، وبلوغ الحلقوم، وهذه صفة الأجسام، لا المعاني، وقال بعض مقدَّمي أئمتنا: هو جسم لطيف متصوَّر على صورة الإنسان، داخل الجسم، وقال بعض مشايخنا وغيرهم: إنه النَّفَس الداخل والخارج، وقال آخرون: هو الدم.

وقال النوويّ - رحمه الله - بعد نقل كلام عياض هذا: والأصح عند أصحابنا أن الروح أجسام لطيفة متخلّلة في البَدَن، فإذا فارقته مات.

وقال القاضي: واختلفوا في النفس والروح، فقيل: هما بمعنى، وهما لفظان لمسمى واحد، وقيل: إن النَّفْس هي النَّفَس الداخل والخارج، وقيل: هي الدم، وقيل: هي الحياة، والله أعلم.

قال القاضي: وقد تعلّق بحديثنا هذا، وشِبْهه بعض الملاحدة القائلين بالتناسخ، وانتقال الأرواح، وتنعيمها في الصور الحسان المرفّهة، وتعذيبها في الصور القبيحة المسخرة، وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب، وهذا ضلال


(١) "المفهم" ٣/ ٧١٩.