بيِّن، وإبطال لِمَا جاءت به الشرائع من الحشر والنشر والجنة والنار، ولهذا قال في الحديث:"حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه"؛ يعني: يوم يجيء بجميع الخلق، والله أعلم. انتهى كلام القاضي - رحمه الله - (١).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقد اختلف الناس قديمًا وحديثًا في الأرواح ما هي؟ وعلى أي حال هي؟ اختلافًا كثيرًا، واضطربوا فيها اضطرابًا شديدًا؛ الواقف عليه يتحقق أن الكل منهم على غير بصيرة منها؛ وإنما هي أقوال صادرة عن ظنون متقاربة، ولا يَشُكّ في أنه مما انفرد الله تعالى بعلم حقيقته، وعلى هذا المعنى حَمَل أكثر المفسرين قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)} [الإسراء: ٨٥]، فليقطع العاقل طمعه من عِلم حقيقته، ولينظر هل ورد في الأقوال الصادقة ما يدلّ على شيء من صفته؟ وعند تصفّح ذلك، واستقراء ما هنالك يحصل للباحث أن الروح أمر يُنفخ في الجسد، ويُقبض منه، ويُتوفى بالنوم وبالموت، ويؤمن، ويكفر، ويعلم، ويجهل، ويفرح، ويحزن، ويتنعم، ويتألم، ويخرج، ويدخل، والإنسان يجد من ذاته بضرورته قابلًا للعلوم وأضدادها، وللفكر وأضدادها، ولغير ذلك من المعاني، فيحصل من مجموع تلك الأمور على القطع أن الروح ليس من قبيل الأعراض؛ لاستحالة كل ما ذُكر عليها، فيلزم أن يكون الروح من قبيل ما يقوم بنفسه، وأنه قابل للأعراض.
وهل هو متحيز أو ليس بمتحيز؟ ذهبت طوائف من الأوائل، ومن نحا نحوهم من الإسلاميين، إلى أنه قائم بنفسه غير متحيز، وذهب أكثر أهل الإسلام إلى أن ذلك من أوصاف الحق - سبحانه وتعالى - الخاصة به، وأنه لا تصح مشاركته في ذلك؛ لأدلة تُذكر في علم الكلام، وأن الروح قائم بنفسه متحيز، فهو من قبيل الجواهر، ثم اختُلِف، هل هو يقبل الانقسام فيكون جسمًا، أو لا يقبله فيكون جوهرًا فردًا؟
فذهبت طائفة من جلّة علماء أهل السُنَّة إلى أنه جسم لطيف مشابك جميع أجزاء البدن، أجرى الله العادة ببقائه في الجسم ما دام حيًّا، فإذا أراد الله