تعالى إماتة الحيوان نزعه منه، وأزال اتصافه بالحياة، وأعقبها بالموت، وأطبق معظم المتكلمين من أهل السُّنَّة على أنه جزء فرد من أجزاء القلب، أو غيره مما يكون في الإنسان، أجرى الله العادة بحياة ذلك الجسم ما دام ذلك الجزء متصلًا به، والله تعالى أعلم، وأحكم، والتسليم أولى وأسلم.
والذي اتَّفَقَ أهل التحقيق عليه أنه متغيّر مخترَع؛ لأنه متغير، وكل متغير محدَث على ما يُعرف في موضعه، ولا يُلتفت لقول من قال: إن الروح قديم؛ إذ لا قديم إلا الله تعالى، على ما يُعرف في موضعه، ولا يُلتفت أيضًا لقول التناسخية القائلين أن الأرواح تنتقل إلى أجساد أخر، فأهل السعادة يُنقلون إلى أجساد حسنة مشرفة مرفّهة، فتتنعم بها، كما جاء في هذه الأحاديث، وأهل الشقاء تُنقل أرواحهم إلى أجسام خسيسة قبيحة، فتعذّب فيها، حتى إذا استوفت بذلك عقابها رجعت إلى أحسن بُنية، وهكذا أبدًا، وهذا معنى الإعادة والثواب والعقاب عندهم، وهو قول مناقض لِمَا جاءت به الشريعة، ولِمَا أجمعت الأمة عليه، ومعتقِده يَكْفُر قطعًا، فإنه أنكر ما عُلِم قطعًا من إخبار الله تعالى، وإخبار نبيّه - صلى الله عليه وسلم - عن أمور الآخرة، وعن تفاصيل أحوالها، وأن الأمر ليس على شيء مما قالوه، وأيضًا فالتناسخ والقول به باطل، محال عقلًا، على ما يُعرف في علم الكلام. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ذكروا الاختلاف في معرفة حقيقة الروح، وصفاتها، وهو مما لا ينبغي الخوض فيه؛ لأنه مما استأثر الله - عز وجل - به، وسدّ طريق الوصول إليه بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)} [الإسراء: ٨٥]، فمن حاول أن يحيط بشيء منها فقد حاول المحال، وإنما ذكرته مع كراهتي للخوض فيه؛ ليُعلم ما قالوا، ويفكّر العاقل بقراءة ما كتبوا حتى يتبيّن له أنهم ليسوا على شيء، وأن الحقّ هو الذي أرشد إليه الله - عز وجل - في الآية المذكورة، {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر: ١٤]، وليس وراء ذلك مطمح للأنظار، ولا مجال للاعتبار، اللهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، إنك سميع مجيب الدعوات.