(المسألة الخامسة): في اختلاف الناس في مستقرّ الأرواح بعد الموت:
(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك على أقوال، وقد ذكر ابن القيّم - رحمه الله - في ذلك نحو سبعة عشر قولًا:
منها: أن أرواح المؤمنين عند الله تعالى في الجنّة، شُهداء كانوا، أم غير شهداء، إذا لم يحبسهم عن الجنّة كبيرة، ولا دَين، أو تلقّاهم ربهم بالعفو عنهم، والرحمة لهم، وهذا مذهب أبي هريرة، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -.
ومنها: أنهم بفناء الجنّة على بابها، يأتيهم من رَوحها، ونعيمها، ورزقها.
ومنها: أن الأرواح مستقرّها أفنية قبورها، ومنها أنها مرسلة، تذهب حيث شاءت، ومنها: أن أرواح الشهداء في الجنّة، وأرواح عامّة المؤمنين على أفنية قبرهم، وقيل غير ذلك.
وقد بسط ابن القيّم - رحمه الله - في هذه المسألة، وتكلّم على كلّ قول بما له، وما عليه، من الأحاديث، والآثار.
والأصحّ أن الأرواح متفاوتةٌ في مستقرّها في البرزخ أعظم تفاوت، فمنها أرواح في أعلى علّيين، في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - وهم متفاوتون في منازلهم، كما رآهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الإِسراء.
ومنها: أرواح في حواصل طير خُضْر تسرح في الجنة حيث شاءت وهي أرواحُ بعض الشهداء لا جميعهم، بل من الشهداء من تُحبَسُ روحُه عن دخول الجنة لدَيْن عليه، أو على غيره، كما تقدّم في حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - عند مسلم.
ومنهم: من يكون محبوسًا على باب الجنة كما في الحديث الآخر: "رأيتُ صاحِبكم محبوسًا على باب الجنة".
ومنهم: من يكون محبوسًا في قبره، كحديث صاحب الشَّمْلة التي غلّها ثم استُشهد، فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده إن الشَّملة التي غلَّها لَتَشْتَعل عليه نارًا في قبره".
ومنهم: من يكون مَقَرّه باب الجنة، كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: