١ - (منها): بيان فضل من يُجاهد في سبيل الله بنفسه وماله.
٢ - (ومنها): بيان تفضيل العزلة على الاجتماع؛ لِمَا فيه من السلامة من الغيبة، واللغو، ونحو ذلك، وأما اعتزال الناس أصلًا، فقال الجمهور: محل ذلك عند وقوع الفتن، كما سيأتي في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى -.
٣ - (ومنها): بيان فائدة العزلة، وهو السلامة من الشرور التي تشمل الدينية، والدنيويّة.
٤ - (ومنها): بيان أن مِن أَدَب من يريد العزلة أن يقصد إبعاد شره عن المسلمين، لا إبعاد شرورهم عنه، وإن كان حاصلًا ضمنًا، وذلك هضمًا لنفسه؛ كيلا يرى الفضل له عليهم، وامتثالًا للأمر بالتواضع الذي أمر الله تعالى به، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أوحى الله إليّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحد"، أخرجه مسلم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في العزلة، والْخُلْطة (١) أيهما أفضل؟
(اعلم): أنه اختَلَف السلف في أصل العزلة، فقال الجمهور: الاختلاط أَولى؛ لِمَا فيه من اكتساب الفوائد الدينيّة للقيام بشعائر الإسلام، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال أنواع الخير إليهم، من إعانة، وإغاثة، وعيادة، وغير ذلك.
وقال قوم: العزلة أَولى؛ لتحقّق السلامة، بشرط معرفة ما يتعيّن.
وقال الخطّابيّ في "كتاب العزلة": إن العزلة والاختلاط يختلفان باختلاف متعلّقهما، فتُحمل الأدلّة الواردة في الحضّ على الاجتماع على ما يتعلّق بطاعة الأئمة، وأمور الدِّين، وعكسها في عكسه، وأما الاجتماع والافتراق بالأبدان، فمن عَرَف الاكتفاء بنفسه في حقّ معاشه، ومحافظة دِينه، فالأَولى له الانكفاف عن مخالطة الناس، بشرط أن يحافظ على الجماعة، والسلام، والردّ، وحقوق
(١) "الْخُلْطة" بالضمّ: اسم من الاختلاط، مثلُ الفُرقة من الافتراق، وهو المناسب هنا، وأما الْخِلطة بالكسر، فهو مثل الْعِشرة وزنًا ومعنًى.