المسلمين، من العيادة، وشهود الجنازة، ونحو ذلك، والمطلوب إنما هو ترك فضول الصحبة؛ لِمَا في ذلك من شغل البال، وتضييع الوقت عن المهمّات، ويُجعل بمنزلة الاحتياج إلى الغداء والعشاء، فيُقتصر منه على ما لا بدّ له منه، فهو أروح للبدن والقلب، والله أعلم. انتهى.
وقال النوويّ: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنّه أنه يقع في معصية، فإن أَشْكَل الأمر فالعزلة أَولى.
وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم: من يتحتّم عليه أحد الأمرين، ومنهم: من يترجّح، وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا، فيختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتّم عليه المخالطة: من كانت له قدرة على إزالة المنكر، فيجب عليه، إما عينًا، وإما كفايةً، بحسب الحال والإمكان، وممن يترجّح عليه: من يغلب على ظنّه أنه يَسْلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وممن يستوي: من يأمن على نفسه، ولكن لا يتحقّق أنه لا يطاع، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامّة، فإن وقعت الفتنة ترجّحت العزلة؛ لِمَا ينشأ فيها غالبًا من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة، فتعمّ من ليس من أهلها، كما قال الله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال: ٢٥](١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن التفصيل المذكور هو الأرجح؛ لأنه يؤيّده حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - المذكور في الباب، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفيه:"أو رجل في غنيمة، في رأس شَعَفَة، من هذه الشَّعَفِ، أو بطن وادِ، من هذه الأودية، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه، حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير".
والحاصل أن العزلة، والْخُلْطة من الأمور النسبيّة التي تختلف خيريتها باختلاف الأشخاص، والأزمان، والأمكنة، كما بُيِّن في التفصيل المذكور، فتأمله، وبالله تعالى التوفيق.
(١) راجع: "الفتح" ١٦/ ٤٩٦ - ٤٩٧، كتاب "الفتن" رقم (٧٠٨٨).