للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولا يحترز منه، بل يطلبه حيث يظنّ أنه يكون، و"مظانّه": جمع مظِنّة، وهي الموضع الذي يُعهَد فيه الشيء، ويُظَنّ أنه فيه، ووحّد الضمير في "مظانّه" إما لأن الحاصل، والمقصود منهما واحد، أو لأنه اكتفى بإعادة الضمير إلى الأقرب، كما اكتَفى بها في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [التوبة: ٣٤] (١).

(أَوْ) للتقسيم أيضًا، لا للشكّ، (رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ) تصغير غنم؛ أي: قطعة من الغنم؛ يعني: أنه قد أقنع نفسه بعدد يسير من الغنم، يعيش بها.

وقال الطيبيّ: قوله: "أو رجلٌ في غُنيمة"؛ أي: معاشُ رجلٍ، والظرف متعلّق به إن جُعل مصدرًا، أو بمحذوف هو صفة لـ "رجل"، و"غُنيمة" تصغير غنم، وهو مؤنّث سماعيّ، ولذلك صُغّر بالتاء (٢).

(فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ) - بفتح الشين المعجمة، والعين المهملة - واحد الشَّعَف، وهي رؤوس الجبال. (مِنْ هَذِهِ الشَّعَفِ) يريد به الجنس لا العهد، قاله الطيبيّ (٣). (أوْ) للتقسيم أيضًا، (بَطْنِ وَادٍ) بجرّ "بطن" عطفًا على قوله: "رأس شعفة"، (مِنْ هَذِهِ الأَوْدِيَةِ) جمع وادٍ، قال الطيبيّ: قوله: "من هذه الشعَف"، و"هذه الأودية" للتحقير، كما في قوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [العنكبوت: ٦٤]، و {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [المدثر: ٣١]، ومن ثمّ صغّر "غُنيمة" وصفًا لقناعة هذا الرجل بأنه سكن في أحقر مكان، ويجتزئ بأدنى قُوت، واعتزل الناس يكفّ شرّه عنهم، ويستكفي شرّهم عنه، ويشتغل بعبادة ربّه حتى يجيئه الموت، وعبّر عن الموت باليقين؛ ليكون نُصب عينيه مزيدًا للتسلّي، فإن في ذِكْر هاذم اللذّات ما يصرفه عن أعراض الدنيا، ويشغله عن ملاذّها بعبادة ربّه، ألا ترى كيف سَلّى حبيبه - صلى الله عليه وسلم - حين لقي ما لقي من أذى الكفّار بقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) إلى أن قال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [الحجر: ٩٩]؟


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٢٨.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٢٨.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٢٨.