للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما قول الخطّابيّ: وقد تأوّل البخاريّ الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة، ففيه نظر، والأشبه أن هذا لا يصحّ عن البخاريّ، ويؤيّد ذلك قول الحافظ - رحمه الله - عندما نقل قول الخطّابيّ عن البخاريّ! في "كتاب التفسير" (١) حيث قال: قال الخطّابيّ: وقال أبو عبد الله: معنى الضحك هنا الرحمة، قال الحافظ: ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاريّ. أفاده بعض المحقّقين (٢)، وهو تحقيق حسنٌ جدًّا، يجب التمسّك به، والعضّ عليه بالنواجذ، ونَبْذ ما عداه، وإن كان من قال به من المتأخّرين فيهم كثرة، فإن الحقّ يُعرف بالأدلّة، لا بالكثرة والقلّة، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقوله: (يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ) جملة في محلّ جرّ صفة لـ "رجلين" وقوله: (كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ") جملة في محلّ نصب على الحال، (فَقَالُوا)؛ أي: الصحابة الحاضرون عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟)؛ أي: كيف يدخلان الجنّة، وقد قتل أحدهما الآخر؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("يُقَاتِلُ هَذَا) ببناء الفعل للفاعل، (فِي سَبِيلِ اللهِ - عز وجل -)؛ أي: لأجل إعلاء كلمته (فَيُسْتَشْهَدُ) بالبناء للمفعول؛ أي: يموت شهيدًا، وفي رواية همّام التالية: "يُقتل هذا فيلج الجنّة"، قال ابن عبد البرّ: معنى هذا الحديث عند أهل العلم: أن القاتل الأول كان كافرًا، وتوبته المذكورة في هذا الحديث إسلامه، قال الله - عز وجل -: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الآية [الأنفال: ٣٨]، قال: وفيه دليل على أن كل من قُتل في سبيل الله فهو في الجنة - إن شاء الله - وكلّ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فهو في الجنة. انتهى (٣).

قال الحافظ: وهو الذي استنبطه البخاريّ في ترجمته، ولكن لا مانع أن يكون مسلمًا؛ لعموم قوله: "ثم يتوب الله على القاتل"، كما لو قَتَل مسلمٌ مسلمًا عمدًا بلا شبهة، ثم تاب القاتل، واستُشهِد في سبيل الله، وإنما يَمْنَع دخول مثل هذا من يذهب إلى أن قاتل المسلم عمدًا لا تُقبل له توبة، قال:


(١) راجع: كتاب "التفسير" من "الفتح" ١٠/ ٦٨٢ حديث (٤٨٨٩) نسخة البراك.
(٢) هو: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك.
(٣) "الاستذكار" ٥/ ٩٦ - ٩٧.