للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: ويدل على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا: تعديته بـ "إلى"، تقول: ضَحِك فلان إلى فلان: إذا توجه إليه طَلْقَ الوجه مظهرًا للرضا عنه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الخطابيّ، وأقرّ الحافظ من تأويل صفة الضحك بالرضا ونحوه، غير صحيح، مخالف لِمَا عليه السلف، فإن مذهبهم في الضحك المضاف إلى الله - سبحانه وتعالى - في هذا الحديث وغيره إثباته لله - عز وجل - على ما يليق بجلاله، ويختصّ به، وأنه ضَحِكٌ لا كضحك المخلوقين كما يقولون مثل ذلك في سائر ما وَصَفَ به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فعندهم أنه تعالى يضحك حقيقةً، والضحك منه تعالى غير العَجَب، وغير الرحمة، والرضا، لكنه يتضمّن هذه المعاني، ويستلزمها.

وأما نفي حقيقة الضحك عن الله تعالى، فإنه مذهب الجهميّة، والمعتزلة، ومن تبعهم من الأشاعرة، وليس لهذا النفي من شبهة إلا من جنس ما تنفى به سائر الصفات.

ثم إن الذين نفوا الضحك عن الله - عز وجل - من الأشاعرة، أو من وافقهم، منهم من يسلك في النصوص مسلك التفويض، فلا يفسّرها، ولا يُثبت ظاهرها إلا لفظًا دون المعنى، ومنهم من يسلك فيها طريقة التأويل، فيُفسّرها بما يُخالف ظاهرها، وهذا هو الذي سلكه الخطّابيّ فيما نقله عنه الحافظ - رحمهما الله تعالى، وعفا عنهما -.

ونحن نقول: نَعَم الضحك الذي يعتري البَشَر عندما يستخفّهم الفرح، أو الطرب: غير جائز على الله تعالى، فإن ذلك ضحك البشر، وهو مختصّ بهم، وضحك الربّ - سبحانه وتعالى - مختصّ به، فليس الضحك كالضحك، كما يقال مثلُ ذلك في قدرته، وإرادته، وغير ذلك من صفاته - سبحانه وتعالى -.


= كلامهم ذلك على ما يُخالف المعروف من مذهبهم في صفاته - سبحانه وتعالى -. انتهى ما كتبه الشيخ البراك على هامش "الفتح" ٧/ ٩٦، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨٢٦)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(١) "الفتح" ٧/ ٩٥ - ٩٦، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨٢٦).