للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ) عبد الرحمن بن يعقوب (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا") وفي الرواية التالية: "لا يجتمعان في النار اجتماعًا يضرّ أحدهما الآخر، قيل: من هم يا رسول الله، قال: مؤمن قتل كافرًا، ثم سدّد"، قال القاضي عياض - رحمه الله -: في الرواية الأولى يَحْتَمِل أن هذا مختصّ بمن قتل كافرًا في الجهاد، فيكون ذلك مكفِّرًا لذنوبه، حتى لا يعاقَب عليها، أو يكون بنيّة مخصوصة، أو حالة مخصوصة، ويَحْتَمِل أن يكون عقابه إن عوقب بغير النار؛ كالحبس في الأعراف عن دخول الجنة أوّلًا، ولا يدخل النار، أو يكون إن عوقب بها في غير موضع عقاب الكفار، ولا يجتمعان في أدراكها. انتهى (١).

وقال الطيبيّ - رحمه الله - بعد كلام عياض المذكور ما نصّه: أقول: والوجه هو الأول - يعني: الاحتمال الأول - وهو من الكناية التلويحيّة، نفي الاجتماع، فيلزم منه نفي المساواة بينهما، فيلزم أن لا يدخل المجاهد النار أبدًا، فإنه لو دخلها لساواه، ويؤيّده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنّم" (٢)، وفي رواية: "في منخري مسلم".

قال: وقوله: "أبدًا" بمعنى "قط" في الماضي، و"عَوْضُ" في المستقبل، تنزيلًا للمستقبل منزلة الماضي، قال الجوهريّ: يقال: لا أفعله أبد الآباد، وأبد الآبدين، كما يقال: دهر الداهرين، وعَوْضَ العائضين، والمقام يقتضيه؛ لأنه ترغيب في الجهاد، وحثّ عليه، ونحوه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما اغبرّت قدما عبد في سبيل الله، فتمسّه النار"، رواه البخاريّ. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "لا يجتمع كافر وقاتلُه في النار أبدًا" ظاهِرُ هذا أنَ المسلِمَ إذا قَتَل كافرًا لم يدخل النَّارَ بوجهٍ من الوجوه، ولم يقيّده في هذا الطريق بقيدٍ؛ لكن قال في الرِّواية الأخرى: "ثم سَدد"، وقد استشكل بعضُ الأئمة هذا اللفظ، وجهةُ الإشكال أن مآلَ السَّداد هو الاستقامة على


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ٣١٣.
(٢) حديث صحيحٌ، رواه النسائيّ.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٢٨.