للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال - رحمه الله -: ظاهر هذا اللفظ: أن للدَّال من الأجر ما يساوي أجر الفاعل المنفِق، وقد ورد مثل هذا في الشرع كثيرًا، كقوله: "من قال مثل ما يقول المؤذن، كان له مثلُ أجره"، وكقوله فيمن توضأ، وخرجَ إلى الصلاة، فوجد الناس قد صلَّوا: "أعطاه الله من الأجرِ مثل أجر من حضرها، وصلَّاها"، وهو ظاهرُ قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: ١٠٠]، وهذا المعنى يمكنُ أن يقال به، ويصار إليه بدليل أن الثوابَ على الأعمال إنما هو تفضّل من الله تعالى، فيهبه لمن يشاء على أيّ شيءٍ صدر عنه، وبدليل أنَّ النيّة هي أصلُ الأعمال، فإذا صحَّتْ في فعل طاعةٍ، فعجز عنها لمانعٍ مَنَع منها فلا بُعدَ في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل، أو يزيد عليه، وقد دل على هذا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نية المؤمن خير من عمله" (١)، ولقوله: "إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًّا إلا كانوا معكم، حَبَسَهُم العذر"، رواه البخاريّ.

وأنَصُّ ما في هذا الباب حديث أبي كبشة الأنماريّ - رضي الله عنه - الذي قال فيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الدنيا لأربعة نَفَر: رجل آتاه الله تعالى مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربَّه، ويَصِل به رَحِمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، ورجل آتاه الله علمًا، ولم يؤته مالًا؛ فهو يقولُ: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعَمَلِ فلانٍ، فهو بنيّته، فأجرهما سواء، ورجل آتاه الله مالًا، ولم يؤته علمًا؛ فهو لا يتقي فيه ربَّه، ولا يَصِلُ فيه رَحِمَه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يؤته الله مالًا، ولا علمًا؛ فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيّته، ووزرهما سواء" (٢).

وقد ذهب بعض الأئمة إلى أن المِثْل المذكور في هذه الأحاديث إنما هو بغير تضعيف، قال: لأنه يجتمع في تلك الأشياء أفعال أخر، وأعمال من البر كثيرة، لا يفعلها الدَّال الذي ليس عنده إلا مجرّد النية الحسنة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -


(١) حديث ضعيف، راجع: "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألبانيّ ٥/ ٢٤٤.
(٢) حديث صحيح، أخرجه الترمذيّ في "جامعه" ٤/ ٥٦٢.