للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للقاعد: "أيُّكم خَلَف الخارج في أهله وماله بخير فله مِثْل نصف أجر الخارج"، وقال: "لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما".

قال القرطبيّ: ولا حجة في هذا الحديث لوجهين:

أحدهما: إنا نقول بموجبه، وذلك أنه لم يتناول محل النزاع، فإن المطلوب إنما هو أن الناوي للخير المعَوَّق عنه، هل له مثل أجر الفاعل من غير تضعيف؟ وهذا الحديث إنما اقتضى مشاركةً ومشاطرةً في المضاعَف، فانفصلا.

وثانيهما: أن القائم على مال الغازي، وعلى أهله نائبٌ عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوه إلا بأن يُكْفَى ذلك العمل، فصار كأنه يُباشر معه الغزو، فليس مُقتصرًا على النية فقط، بل هو عامل في الغزو، ولمّا كان كذلك كان له مِثل أجر الغازي كاملًا، وافرًا، مضاعَفًا، بحيث إذا أضيف، ونُسب إلى أجر الغازي كان نصفًا له، وبهذا يجتمعُ معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من خلف غازيًا في أهله بخيرٍ فقد غزا"، وبين معنى قوله في اللفظ الأول: "فله مِثْل نصف أجره"، والله تعالى أعلم.

وعلى هذا يُحْمَل قوله: "والأجر بينهما"، لا أن النائبَ يأخذ نصف أجر الغازي، ويبقى للغازي النصف، فإن الغازيَ لم يطرأ عليه ما يوجبُ تنقيصًا لثوابه، وإنَّما هذا كما قال: "من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجر الصائم، لا ينقصه من أجره شيء"، والله تعالى أعلم.

وعلى هذا فقد صارت كلمةُ "نصف" مقحمةً هنا بين "مثل" و"أجر"، وكأنها زيادةٌ مِمَّن تسامَحَ في إيراد اللفظ، بدليل قوله: "والأجر بينهما"، ويشهد له ما ذكرناه، فَليُتنبَّه له، فإنه حَسَن.

وأمَّا من تحقق عَجْزه، وصدقت نيتُه، فلا ينبغي أن يختَلَف في أن أجره مضاعَف كأجر العامل المباشر؛ لِمَا تقدَّم، ولِمَا خرَّجه النسائيُّ من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى فراشه، وهو ينوي أن يقومَ، يصلي من الليل، فغلبته عيناه حتى يصبح، كان له ما نوى، وكان نومُه صدقة عليه". انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وسيأتي في شرح حديث زيد بن خالد


(١) "المفهم" ٣/ ٧٢٧ - ٧٣٠.