للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بمثل ثواب الفعل: حصول أصل الأجر له بغير تضعيف، وأن التضعيف يَختصّ بمن باشر العمل، قال القرطبيّ: ولا حجة له في هذا الحديث؛ لوجهين:

أحدهما: أنه لا يتناول محل النزاع؛ لأن المطلوب إنما هو أن الدالّ على الخير مثلًا هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف، أو بغير تضعيف؟ وحديث الباب إنما يقتضي المشاركة، والمشاطرة، فافترقا.

ثانيهما: ما تقدم من احتمال كون لفظة "نصف" زائدة.

وتعقّبه الحافظ - رحمه الله -، فقال: ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في "الصحيح"، والذي يظهر في توجيهها أنها أُطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير، فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مِثل ما للآخر، فلا تعارض بين الحديثين، وأما من وُعد بمثل ثواب العمل، وإن لم يعمله، إذا كانت له فيه دلالةٌ، أو مشاركةٌ، أو نية صالحةٌ، فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد، وصَرْفُ الخبر عن ظاهره يَحتاج إلى مستند، وكأن مستند القائل أن العامل يباشر المشقّة بنفسه، بخلاف الدالّ ونحوه، لكن من يجهّز الغازي بماله مثلًا، وكذا من يخلُفه فيمن يترك بعده يباشر شيئًا من المشقّة أيضًا، فإن الغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يُكْفَى ذلك العمل، فصار كأنه يباشر معه الغزو، بخلاف من اقتصر على النية مثلًا. انتهى كلام الحافظ (١)، وهو بحث حسنٌ، والله تعالى أعلم.

(وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ) بتخفيف اللام، يقال: خلفتُ الرجلَ في أهله، من باب نصر: إذا قُمت بعده فيهم، وقُمت عنه بما كان يفعله، أفاده ابن الأثير (٢).

وقال البيضاويّ: يقال: خَلَفه في أهله: إذا قام مقامه في إصلاح حالهم، ومحافظة أمرهم؛ أي: من تولّى أمر الغازي، وناب منابه في مراعاة أهله زمان غيبته، شاركه في الثواب؛ لأن تفرّغ الغازي لغزوه، واشتغاله به بسبب قيامه بأمر عياله، فكأنه مسبّب من فعله. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ٧/ ١١١ - ١١٢، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨٤٣).
(٢) "النهاية في غريب الحديث والأثر" ص ٢٨٠.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٣٠.