٦ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رحمه الله -: وفي هذين الحديثين - يعني: هذا الحديث، والحديث التالي - دليل على جواز استقتال الرجل نفسه في طلب الشَهادة، وإن علم أنه يُقتَل، وقد فعله كثير من الصحابة والسَّلف وغيرهم، وروي عن عمر، وأبي هريرة - رضي الله عنهما -، وهو قولُ مالك، ومحمد بن الحسن، غير أنَّ العلماءَ كرهوا فِعلَ ذلك لرأس الكتيبة؛ لأنه إن هلك هلك جيشُه، وقد روي عن عمر أيضًا كراهية الاستقتال، وقال:"لأن أموتَ على فراشي أحبُّ إليَّ من أن أُقتل بين يدي صفٍ"؛ يعني: يُستقتل، ورأى بعضُ العلماء هذا الفعلَ مِن إلقاءه اليد للتهلكة المنهي عنه.
قال القرطبيّ: وفي هذا بُعْدٌ من وجهين:
أحدهما: أن أحسنَ ما قيل في الآية: أنها فيمن ترك الإنفاق في الجهاد.
وثانيها: أن عملًا يُفضي بصاحبه إلى نيل الشَّهادة ليس بتهلكة، بل التهلكةُ: الإعراضُ عنه، وتركُ الرَّغبة فيها، ودلَّ على ذلك الأحاديث المتقدِّمة كلها، فلا يُعدل عنها. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.