للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(لَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدْرًا)؛ أي: غزوة بدر الكبرى. (قَالَ) أنس بن مالك (فَشَقَّ عَلَيْهِ)؛ أي: شقّ على عمّه أنس - رضي الله عنه - غَيْبته عن بدر، وفي رواية: "فكبُر عليه ذلك". (قَالَ) أنس بن النضر (أَوَّلُ مَشْهَدٍ)؛ أي: معركة لقتال المشركين، (شَهِدَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: لأن بدرًا أول غزوة خرج فيها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بنفسه مقاتلًا، وقد تقدّمها غيرها، لكن ما خرج فيه - صلى الله عليه وسلم - بنفسه مقاتلًا. (غِبْتُ عَنْهُ) - بكسر الغين المعجمة، وسكون الموحّدة -، كذا في النسخة الهنديّة، ووقع في غيرها بلفظ: "غُيِّبْتُ عَنْهُ" بضمّ أوله، وتشديد التحتانيّة، مبنيًّا للمفعول، والأول أوضح. (وَإِنْ أرَانِي اللهُ مَشْهَدًا)؛ أي: محلّ شهود لقتال العدوّ؛ أي: معركة من المعارك، (فِيمَا بَعْدُ)؛ أي: في الزمن الذي بعد بدر، (مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَرَانِيَ اللهُ مَا أَصْنَعُ) - بفتح ياء المتكلّم، وسكونها - قال النوويّ - رحمه الله -: هكذا هو في أكثر النسخ: "لَيَراني" بالألف، وهو صحيح، ويكون "ما أصنع" بدلًا من الضمير في "لَيَراني"؛ أي: لَيَرى الله ما أصنع، ووقع في بعض النسخ: "لَيَرَيَنَّ الله" بياء، بعد الراء، ثم نون مشدّدة، وهكذا وقع في "صحيح البخاريّ"، وعلى هذا ضبطوه بوجهين:

أحدهما: "لَيَرَيَنَّ" بفتح الياء، والراء؛ أي: يراه الله واقعًا، بارزًا.

والثاني: "لَيُرِيَنَّ" بضم الياء، وكسر الراء، ومعناه: ليرينّ اللهُ الناسَ ما أصنعه، ويُبْرِزه الله تعالى لهم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: "لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع" - بتشديد النون -؛ للتأكيد، واللام جواب القَسَم المقدّر، قال: وفي رواية للبخاريّ في "المغازي": "لَيَرينّ الله ما أُجِدّ"، وهو بضم الهمزة، وكسر الجيم، وتشديد الدال، أو بفتح الهمزة، وضم الجيم، مأخوذ من الْجِدّ ضد الهزل. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: كلام أنس بن النضر - رضي الله عنه - هذا تضمَّنَ أنه ألزمَ نفسه إلزامًا مؤكدًا، وهو الإبلاءُ في الجهاد، والانتهاض فيه، والإبلاغُ في بذل ما يقدر عليه منه، ولم يصرِّح بذلك مخافةَ ما يتوقَّع من التقصير في ذلك، وتبرُئًا


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ٤٨.
(٢) "الفتح" ٧/ ٦٨، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨٠٥).