للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِن حوله وقوته؛ ولذلك قال: "فهاب أن يقول غيرها"، ومع ذلك فنَوَى بقلبه، وصمّم على ذلك، بصحيح قصده، ولذلك سمَّاه الله تعالى عهدًا في الآية، حيث قال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الآية [الأحزاب: ٢٣]، فسمَّاه عهدًا. انتهى (١).

(قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا) قال النوويّ: معناه: أنه اقتَصَر على هذه اللفظة المبهمة؛ أي: قوله: "لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع"؛ مخافةَ أن يُعاهد الله على غيرها، فيَعْجز عنه، أو تضعُف بُنْيَته عنه، أو نحو ذلك، وليكون إبراءً له من الحول والقوة. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": أي خَشِي أن يلتزم شيئًا، فَيَعْجِزَ عنه، فأَبْهم، وعُرِف من السياق أن مراده أنه يبالغ في القتال، وعدم الفرار. (قَالَ) أنس بن مالك (فَشَهِدَ)؛ أي: عمّه (مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ) بضمّتين: اسم جبل بقرب مدينة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، من جهة الشام، وكانت به الوقعة المشهورة في أوائل شوّال سنة ثلاث من الهجرة، وهو مذكّر، فينصرف، وقيل: يجوز تأنيثه على توهّم البُقعة، والأول هو الصحيح (٣). (قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ) أنس بن النضر (سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ) بالنصب على المفعوليّة، ويَحْتَمِل أن يكون سعد مرفوعًا على الفاعليّة، والمفعول محذوف؛ أي: فاستقبله؛ أي: أنسًا سعدُ بنُ معاذ، وهو الذي في رواية البخاريّ، ولفظه: "فاستقبله سعدُ بنُ معاذ".

وفي "مسند الطيالسيّ": "فاستقبله سعدُ بنُ معاذ، منهزِمًا"، ولفظ البخاريّ: "فلمّا كان يوم أُحُد، وانكشف المسلمون قال: اللهمّ إني أعتذر إليك مما صَنَع هؤلاء؛ يعني: أصحابه، وأبرأ إليك مما صَنَع هؤلاء؛ يعني: المشركين، ثم تقدّم، فاستقبله سعد بن معاذ. . .". (فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ)؛ أي: قال أنس بن النضر لسعد بن معاذ (يَا أَبَا عَمْرٍو) كنية سعد، (أَيْنَ؟)؛ أي: إلى أي موضع تفرّ، وذلك لأنه استقبله منهزمًا، حينما انهزم الناس، (فَقَالَ) أنس لسعد حين استقبله متقدّمًا إلى المشركين، ففي رواية البخاريّ: "ثمّ تقدّم، فاستقبله


(١) "المفهم" ٣/ ٧٣٨.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ٤٨.
(٣) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٦.