للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنّة، وربّ النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد". (وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ) "واهًا" كلمة تحنّن، وتلهّف، قاله النوويّ (١)، وقال القرطبيّ: أي عَجَبًا منه، فهي هنا كلمة تعجّب، وقد تأتي للترحّم، والتلهّف، والاستهانة (٢).

وقال في "اللسان": واه تلهّفٌ، وتلوّذٌ، وقيل: استطابة، ويُنَوَّنُ، فيقال: واهًا لفلانٍ، قال أَبو النجم [من الرجز]:

وَاهًا لِرَيَّا ثُمَّ وَاهًا وَاهَا … يَا لَيْتَ عَيْناهَا (٣) لَنَا وَفَاهَا

بِثَمَنٍ نُرْضِي بِهِ أَبَاهَا … فَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنْ جَرَّاها

هِيَ الْمُنَى لَوْ أنَّنَا نِلْناها (٤)

(أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ) قال النوويّ - رحمه الله -: محمول على ظاهره، وأن الله تعالى أوجد له ريحها من موضع المعركة، وقد ثبتت الأحاديث أن ريحها توجد من مسيرة خمسمائة عام. انتهى (٥).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ظاهره الحملُ على أنه وجده حقيقةً، كما جاء في الحديث الآخر: "إن ريح الجنّة يوجد على مسيرة خمسمائة عام".

ويَحْتَمِل أن يكون قاله على معنى التمثيل؛ أي: إن القتل دون أُحد موجب لدخول الجنة، ولإدراك ريحها ونعيمها. انتهى (٦).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن الاحتمال الأول هو الحقّ، كما اقتصر عليه النوويّ؛ لأن نصوص الشرع إذا أمكن حَمْلها على ظاهرها لا يُعدل إلى غيره إلا لمانع، ولا مانع من ذلك هنا، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": قوله: "إني أجد ريحها أي: ريح الجنة، "من دون أُحُد وفي رواية ثابت: "واهًا لريح الجنة، أجدها دون أُحد".

قال ابن بطال، وغيره: يَحْتَمِل أن يكون على الحقيقة، وأنه وجد ريح


(١) شرح النوويّ" ١٣/ ٤٨.
(٢) "المفهم" ٣/ ٧٣٩.
(٣) قوله: "عيناها" هو على لغة من يُلزم المثنى الألف في الأحوال كلّها.
(٤) "لسان العرب" ١٣/ ٥٦٢.
(٥) "شرح النوويّ" ١٣/ ٤٨.
(٦) "المفهم" ٣/ ٧٣٩.