للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجنة حقيقةً، أو وَجَد ريحًا طيبةً، ذَكَّره طيبُها بطِيب ريح الجنة، ويجوز أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أُعدّت للشهيد، فتصوّر أنها في ذلك الموضع الذي يقاتِل فيه، فيكون المعنى: إني لأعلم أن الجنة تُكتَسب في هذا الموضع، فأشتاق لها، وقوله: "واهًا" قاله إما تعجبًا، وإما تشوّقًا إليها، فكأنه لمّا ارتاح لها، واشتاق إليها، صارت له قُوّةُ من استنشقها حقيقةً. انتهى (١).

قال الجامع: قد عرفت أن الحقّ حمل الحديث على ظاهره، فهو وَجَد ريح الجنّة حقيقةً، فتنبّه.

[تنبيه]: زاد في رواية البخاريّ: "قال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع أنس"، وسعد هو ابن معاذ الذي استقبله.

قال ابن بطال: يريد: ما استطعتُ أن أصف ما صنع أنس، من كثرة ما أغنى، وأبلى في المشركين.

قال الحافظ: وقع عند يزيد بن هارون عن حُميد: "فقلت: أنا معك، فلم أستطع أن أصنع ما صنع"، وظاهره أنه نفى استطاعة إقدامه الذي صَدَر منه، حتى وقع له ما وقع، من الصبر على تلك الأهوال، بحيث وُجِد في جسده ما يزيد على الثمانين، من طعنة، وضربة، ورَمية، فاعترَفَ سعد بأنه لم يستطع أن يُقدم إقدامه، ولا يصنع صنيعه، وهذا أَولى مما تأوله ابن بطال. انتهى (٢).

(قَالَ) الراوي، وهو أنس بن مالك - رضي الله عنه -، (فَقَاتَلَهُمْ)؛ أي: قاتل المشركين أنس بن النضر - رضي الله عنه - (حَتَّى قُتِلَ) بالبناء للمفعول؛ أي: استُشهِد في تلك المعركة.

قال القرطبيّ - رحمه الله -: ظاهره أنه قاتَلهم وحده، فيكون فيه دليلٌ على جواز الاستقتال، بل على ندبيّته، كما تقدّم (٣).

(قَالَ) أنس بن مالك (فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ) ببناء الفعل للمفعول؛ أي: وُجد


(١) "الفتح" ٧/ ٦٨، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨٠٥).
(٢) "الفتح" ٧/ ٦٨، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨٠٥).
(٣) "المفهم" ٣/ ٧٣٩.