للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العسل وغيره: إذا صفّيته، وأفردتُه من شوائب كدره؛ أي: خلّصته منها، فالمخلِصُ في عباداته هو الذي يُخلصها من شوائب الشركِ والرياء، وذلك لا يتأتَّى له إلا بأن يكون الباعثُ له على عملها قصدَ التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء ما عنده، فأما إذا كان الباعثُ عليها غير ذلك من أعراض الدُّنيا؛ فلا يكونُ عبادة، بل يكون معصيةً (١) موبقةً لصاحبها، فإما كفرٌ، وهو الشرك الأكبر، وإما رياء، وهو الشركُ الأصغر، ومصيرُ صاحبه إلى النار، كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الثلاثة المذكورين فيه، كما يأتي في الباب التالي.

هذا إذا كان الباعثُ على تلك العبادة الغرضَ الدنيويَّ وحده، بحيث لو فُقِد ذلك الغرضُ لتُرِك العمل، فأما لو انبعث لتلك العبادةِ بمجموع الباعثَينِ: باعث الدنيا وباعث الدين، فإن كان باعثُ الدنيا أقوى، أو مساويًا أُلْحِق بالقسم الأول في الحكم بإبطال ذلك العمل عند أئمة هذا الشأن، وعليه يدلّ قولُه - صلى الله عليه وسلم - حكاية عن الله تبارك وتعالى: "مَن عَمِل عملًا أشركَ معي فيه غيري تركتُه وشريكه"، رواه مسلم، فأما لو كان باعثُ الدِّين أقوى، فقد حكم المحاسبيّ - رحمه الله - بإبطال ذلك العمل؛ متمسكًا بالحديث المتقدِّم، وبما في معناه، وخالفه في ذلك الجمهور، وقالوا بصحة ذلك العمل، وهو المفهومُ في فروع مالك.

ويُستدلُ على هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعِنَان فرسه في سبيل الله"، فجعل الجهاد مما يصحّ أن يُتخّذ للمعاش، ومن ضرورة ذلك أن يكونَ مقصودًا، لكن لمّا كان باعثُ الدِّين على الجهاد هو الأقوى والأغلب، كان ذلك الغرض مُلْغًى، فيكون مَعْفوًّا عنه؛ كما إذا توضأ قاصِدًا رَفع الحدث والتبرُّد، فأما لو تفرَّد باعثُ الدِّين بالعمل، ثم عَرَض باعث الدنيا في أثناء ذلك العمل فأَولى بالصحة (٢)، وللكلام في هذا موضع آخر، وما


(١) وقع في النسخة: "مصيبة"، والظاهر أنه تصحيف، فتأمل، والله تعالى أعلم.
(٢) وقال محمد بن جرير الطبريّ - رحمه الله -: إذا ابتدأ العمل بالإخلاص لا يضرّه ما عَرَضَ بعده، من عُجب، يطرأ عليه. انتهى، ذكره في "عمدة القاري" ٢/ ٢٩٧ - ٢٩٨.