للمفعول (يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ) بالبناء للمفعول أيضًا؛ أي: قُتل في مواجهة العدوّ، وفي رواية النسائيّ:"أَوَّلُ النَّاس يُقْضَى لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثَلَاثَةٌ"، والمراد: ثلاثة أصناف، لا ثلاثة أشخاص.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "إن أول الناس يُقضى عليه. . . إلخ" هذا يخالفُه قوله: "أول ما يحاسب به العبد المسلم من عمله صلاته. . ." الحديث، وقوله:"أول ما يُقْضَى فيه بين الناس في الدِّماء" قد يسبق إلى الوَهَم أن هذه الأحاديثَ متعارضة من حيث الأولية المذكورة في كل حديث منها؛ وليس كذلك؛ فإنه إنَّما كان يلزم ذلك لو أريد بكل أوّلٍ منها أنه أوَّلٌ بالنسبة إلى كل ما يُسأل عنه، ويقضى فيه، وليس في شيءٍ من تلك الأحاديث ما ينصُّ على ذلك، وإنما أراد - والله أعلم - أن كل واحد من تلك الأوليات أوَّلٌ بالنسبة إلى ما في بابه، فأول ما يحاسبُ به من أركان الإسلام الصلاة، وأول ما يحاسب به من المظالم الدِّماء، وأول ما يحاسب به مما ينتشر فيه صِيتُ فاعله تلك الأمور، وهذا أوَّلُ ما يقاربه ويناسبه، وهكذا تَعْتَبِر كل ما يَرِدُ عليك من هذا الباب، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
(فَأُتِيَ بِهِ) بالبناء للمفعول أيضًا، (فَعَرَّفَهُ) بتشديد الراء، من التعريف، (نِعَمَهُ) وفي بعض النسخ: "نعمته" بالإفراد؛ أي: عرّفه الله - عز وجل - النعم التي أنعم بها عليه، والظاهر أن المراد: النعم التي تتعلّق بالجهاد، من تيسير أسبابه، وصحّة جسده، ونحو ذلك، يدلّ على ذلك جوابه لَمّا سأله ما عملت فيها؟ قال:"قاتلت فيك. . . إلخ". (فَعَرَفَهَا) بتخفيف الراء: أي عرف ذلك الرجل تلك النعم، (قَالَ) الله تعالى (فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟)"ما" استفهاميّة؛ أي: أيَّ شيء عَمِلت بتلك النعم؟ (قَالَ) الرجل (قَاتَلْتُ فِيكَ)؛ أي: في طلب مرضاتك، ورجاء مثوبتك (حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ) بالبناء للمفعول؛ أي: حتى قُتلتُ شهيدًا صورةً في اعتقاد الناس، وإلا فليس شهيدًا حقيقةً. (قَالَ) الله تعالى الذي يعلم السرّ وأخفى لَمّا علم سوء نيته، وخُبث طويّته؛ ردًّا عليه دعواه الاستشهاد في