جماعة، أو سريّة، أو طائفة غازية (تَغْزُو) أعاد الضمير هنا مؤنثًا، مفردًا نظرًا للفظ "غازية". (فِي سَبِيلِ اللهِ)؛ أي: لأجل إعلاء كلمة الله تعالى، (فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ) أعاد الضمير هنا مذكّرًا جمعًا؛ نظرًا لمعنى "غازية"؛ لأنها بمعنى "جماعة"، أو طائفة، أو سريّة، كما سبق آنفًا. (إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الآخِرَةِ) بكسر الخاء المعجمة، (وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً، تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ") قال النوويّ - رحمه الله - ما حاصله: إِنَّ الصواب في معنى الحديث أن الغُزاةَ إذا سَلِموا، أو غَنِموا يكون أجرهم أقلّ من أجر من لم يَسلَم، أو سَلِمَ، ولم يَغنَم، وأن الغنيمة في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم، فقد تعجّلوا ثلُثي أجرهم المترتّب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة، كقوله: "منا من مات، ولم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يَهدبها"؛ أي: يجتنيها، فهذا الذي ذكرناه هو الصواب، وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صريحٌ صحيحٌ يُخالف هذا، فتعيّن حَمْله على ما ذَكَرنا.
وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذي ذكرناه بعد حكايته في تفسيره أقوالًا فاسدةً، منها قول من زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح، ولا يجوز أن ينقص ثوابهم بالغنيمة، كما لم ينقص ثواب أهل بدر، وهم أفضل المجاهدين، وهي أفضل غنيمة، قال: وزعم بعض هؤلاء أن أبا هانئ حُميد بن هانئ راويه مجهول، ورجحوا الحديث السابق في أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة، فرجحوه على هذا الحديث؛ لشهرته، وشهرة رجاله، ولأنه في "الصحيحين"، وهذا في مسلم خاصّةً، وهذا القول باطل من أوجه، فإنه لا تعارُض بينه وبين هذا الحديث المذكور، فإن الذي في الحديث السابق رجوعه بما نال من أجر وغنيمة، ولم يقل: إن الغنيمة تنقص الأجر أم لا، ولا قال: أجره كأجر من لم يغنم، فهو مطلق، وهذا مقيَّد، فوجب حَمْله عليه.
وأما قولهم: أبو هانئ مجهول، فغلطٌ فاحشٌ، بل هو ثقة مشهورٌ، رَوَى عنه الليث بن سعد، وحيوة، وابن وهب، وخلائق من الأئمة، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به في "صحيحه".