وأما قولهم: إنه ليس في "الصحيحين"، فليس لازمًا في صحة الحديث كونه في "الصحيحين"، ولا في أحدهما.
وأما قولهم في غنيمة بدر، فليس في غنيمة بدر نصّ أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قَدْر أجرهم، وقد غَنِموا فقط، وكونهم مغفورًا لهم، مرضيًّا عنهم، ومن أهل الجنة، لا يلزم ألا تكون وراء هذا مرتبة أخرى، هي أفضل منه، مع أنه شديد الفضل، عظيم القدر.
ومن الأقوال الباطلة ما حكاه القاضي عن بعضهم أنه قال: لعل الذي تعجل ثلثي أجره إنما هو في غنيمة أُخذت على غير وجهها، وهذا غلطٌ فاحشٌ؛ إذ لو كانت على خلاف وجهها لم يكن ثلث الأجر.
وزعم بعضهم أن المراد: أن التي أخفقت يكون لها أجر بالأسف على ما فاتها من الغنيمة، فيضاعف ثوابها، كما يضاعف لمن أصيب في ماله وأهله، وهذا القول فاسدٌ مباينٌ لصريح الحديث.
وزعم بعضهم أن الحديث محمول على من خرج بنيّة الغزو والغنيمة معًا، فنَقَص ثوابه، وهذا أيضًا ضعيف، والصواب ما قدمناه. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).
وقال بعضهم ما حاصله: استشكله بعض العلماء بأن الغنيمة نعمة من الله تعالى أُحلّت لهذه الأمة، فكيف ينتقص بها أجر الجهاد؟ ولو كانت منقصة للأجر لَمَا تناولها الصحابة والتابعون الذين كانوا يطمعون في زيادة الأجر أكثر مما يطمعون في التمتّع بالغنائم، ولو كانت الغنيمة ينقص بها الأجر لَمَا فَضَل أصحاب بدر على أصحاب أُحُد.
ثم قال: والحقّ أنه لا إشكال في حديث الباب؛ لأن الأجر على قدر المشقّة والمصيبة، ولا شكّ أن من لم يَسلم، أو لم يغنم مصيبته أكثر ممن سَلِم، وغنم، فكان ثوابه أعظم، وقد ذكر الحافظ في "الفتح" عن بعض المتأخّرين حكمةً لطيفةً بالغةً، وذلك أن الله أعدّ للمجاهدين ثلاث كرامات: دنيويتان، وأخروية، فالدنيويتان: السلامة، والغنيمة، والأخروية: دخول الجنة،