للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أقوى من الآخر مع اشتراكهما في أصل الوضع، كَسَوْف والسين، وقد وقع استعمال "إنما" موضع استعمال النفي والاستثناء كقوله تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: ١٦]، وكقوله: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩)} [الصافات: ٣٩]، وقوله: {أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: ٩٢]، وقوله: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: ٩٩] ومن شواهده قول الأعشى:

ولسْتَ بالأكْثَرِ منْهُمْ حَصًى … وَإنَّمَا الْعِزَّةُ لِلكَاثِرِ

يعني: ما ثبتت العزة إلا لمن كان أكثر حصى. انتهى (١).

وسيأتي هذا البحث مستوفًى في المسائل الآتية - إن شاء الله تعالى -.

والمراد بالأعمال: الأعمال الصادرة عن المكلفين، وهل تخرج أعمال الكفار؟ الظاهر الإخراج؛ لأن المراد أعمال العبادة، وهي لا تصح من الكافر، وإن كان مخاطَبًا بها معاقبًا على تركها، ولا يَرِد العتق، والصدقة؛ لأنهما بدليل آخر.

وقوله أيضًا: (بِالنِّيَّةِ) الباء للمصاحبة، ويَحْتَمِل أن تكون للسببية، بمعنى أنها مقوِّمة للعمل، فكأنها سبب في إيجاده، وعلى الأول فهي من نفس العمل، فيُشترط أن لا تتخلف عن أوله، قاله في "الفتح"، وسيأتي تمام البحث فيه في المسائل الآتية - إن شاء الله تعالى -.

(وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ) قال السنديّ - رحمه الله -: قوله: "لامرئ" بمعنى لكلّ امرئ، كما جاء في الروايات الأخرى، وذلك لأن "إنما" يتضمن الإثبات في أول الكلام والنفي في آخر جزء منه، فالنكرة صارت في حَيِّز النفي، فتفيد العموم، على أن النكرة في الإثبات قد يُقْصَد بها العموم، كما في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: ١٤] ولا يخفى أنه يظهر على هذا المعنى تفريع "فمن كانت هجرته" على ما قبله أشدَّ ظهور. انتهى (٢).

وفيه لغتان: "امرء"، كزبْرج، و"مَرْء" كفَلْس، ولا جَمْع له من لفظه، وهو من الغرائب؛ لأن عَيْن فِعله تابع لِلَامِه في الحركات الثلاث دائمًا، وكذا في


(١) "الفتح" ١/ ١٨ - ١٩.
(٢) "حاشية السنديّ على النسائيّ" ١/ ٥٩ - ٦٠.