للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إقامة الدِّين، وفي الحقيقة مفارقة ما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه، ومن ذلك سُمِّيَ الذين تركوا مكة، وتحوَّلوا إلى المدينة من الصحابة - رضي الله عنهم - بالمهاجرين؛ لذلك، قاله في "العمدة" (١).

أي: من كانت رحلته من بلد إلى بلد آخر، (إِلَى اللهِ) تعالى (وَرَسُولِهِ) - صلى الله عليه وسلم - نيّةً وقصدًا، (فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ) تعالى (وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -) حُكمًا وشرعًا، أو ثوابًا وجزاءً، وإنما قدّرنا ذلك؛ ليتغاير الشرط، والجزاء؛ لأنه لا بُدّ من ذلك، وإلا لم يكن مفيدًا، وقيل: يجوز الاتحاد في الشرط والجزاء، والمبتدإ والخبر، إذا قصد التعظيم، أو التحقير كأنت أنت؛ أي: العظيم، أو الحقير، ومنه قول أبي النجم: وشعري شعري؛ أي: العظيم، وقيل: الخبر محذوف في الجملة الأُولى منهما؛ أي: فهجرته إلى الله ورسوله محمودة أو مثاب عليها، وفهجرته إلى ما هاجر إليه مذمومة أو قبيحة، أو غير مقبولة (٢).

(وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا) - بضم الدال، وحَكَى ابن قتيبة كسرها، وهي فُعْلى، من الدُّنُوِّ؛ أي: القُرْب، سُمِّيت بذلك؛ لسبقها الأخرى، وقيل: لدنوّها إلى الزوال، وهي غير منوّنة على الأشهر، وحُكي تنوينها، وجَمْعها دُنَا، ككُبَر، جمع كُبْرَى، والنسبة إليها دنيويّ، ودنياويّ، ودنْييّ، بقلب الواو ياء، فتصير ثلاث ياءات، واختُلف في حقيقتها، فقيل: ما على الأرض، من الهواء والجوّ، وقيل: كلُّ المخلوقات من الجواهر، والأعراض، والأول أَولى، لكن يزاد فيه: مما قبل قيام الساعة، ويُطلق على كل جزء منها مجازًا (٣).

وقوله: (يُصِيبُهَا) جملة في موضع جرّ صفة لـ "دنيا"؛ أي: يُحَصِّلها؛ لأن تحصيلها كإصابة الغرض بالسهم، بجامع حصول المقصود (٤).

(أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا) وفي لفظ: "ينكحها"، وخَصّ المرأة بالذِّكر بعد ذِكر ما يَعُمّها وغيرها؛ للاهتمام بها، والتحذير عنها؛ لأن الافتتان بها أشدّ. (فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ") من الدنيا والمرأة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "عمدة القاري" ١/ ٥٣ - ٥٤.
(٢) راجع: "نيل الأوطار" ١/ ٢٠٢.
(٣) "الفتح" ١/ ٢٣ - ٢٤.
(٤) "الفتح" ١/ ٢٣ - ٢٤.