للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُمْدَةُ الدِّينِ عنْدَنَا كَلمَاتٌ … أربَعٌ من كَلامِ خَيْرِ البَرِيَّهْ

اتَّقِ الشُّبْهَاتِ وازْهَدْ (١) وَدَعْ … مَا لَيْسَ يَعْنِيكَ واعْمَلَنَّ بنيَّهْ (٢)

(المسألة التاسعة): قال الحافظ العراقيّ - رحمه الله -: كلمة "إنما" للحصر على ما تقرر في الأصول، ومعنى الحصر فيها إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، كقوله تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: ٩٨]، ولكن دلالتها على النفي فيما عداه، هل هو بمقتضى موضوع اللفظ، أو بطريق المفهوم؟ فيه كلام لبعض المتأخرين، واستدلّ على وِفاقِهم أنها للحصر أن ابن عباس - رضي الله عنهما - فَهِمه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الربا في النسيئة"، فاعترضه المخالفون له بدليل آخر يقتضي تحريم ربا الفضل، ولم يعارضوه فيما فهمه من الحصر؛ لاتفاقهم عليه. انتهى (٣).

وقال الحافظ في "الفتح": واختلفوا هل هي بسيطة، أو مركبة؟ فرجحوا الأول، وقد يرجح الثاني، ويجاب عما أورد عليه من قولهم: إنّ "إنّ" للإثبات و"ما" للنفي، فيستلزم اجتماع المتضادين على صدد واحد بأن يقال مثلًا: أصلهما كان للإثبات والنفي، لكنهما بعد التركيب لم يبقيا على أصلهما، بل أفادا شيئًا آخر، أشار إلى ذلك الكرمانيّ، قال: وأما قول من قال: إفادة هذا السياق للحصر من جهة أن فيه تأكيدًا بعد تأكيد، وهو المستفاد من "إنما"، ومن الجمع، فمتعقَّب بأنه من باب إيهام العكس؛ لأن قائله لمّا رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظنّ أن كل ما وقع كذلك يفيد الحصر.

وقال ابن دقيق العيد: استُدِلّ على إفادة "إنما" للحصر بأن ابن عباس - رضي الله عنهما - استَدَلّ على أن الربا لا يكون إلا في النسيئة بحديث: "إنما الربا في النسيئة"، وعارضه جماعة من الصحابة في الحكم، ولم يخالفوه في فهمه، فكان كالاتفاق منهم على أنها تفيد الحصر. وتُعُقّب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة بذلك تنزّلًا، وأما من قال: يَحْتَمِل أن يكون اعتمادهم على قوله: "لا ربا إلا في النسيئة"؛ لورود ذلك في بعض طُرق الحديث المذكور، فلا يفيد


(١) كذا وقع في النسخة، وفيه انكسار، ولعله: "اتَّقِ الشُّبْهَاتِ ازْهَدَنَّ وَدَعْ مَا. . . . إلخ".
(٢) "عمدة القاري" ١/ ٢٤.
(٣) "طرح التثريب" ٢/ ٦.