للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك في ردّ إفادة الحصر، بل يقوّيه، ويُشعر بأن مُفاد الصيغتين عندهم واحد، وإلا لَمَا استعملوا هذه موضع هذه.

وأوضح من هذا حديث: "إنما الماء من الماء"، فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه، وإنما عارضوهم في الحكم من أدلة أخرى كحديث: "إذا التقى الختانان".

قال ابن عطية: "إنما" لفظ لا يفارقه المبالغة والتأكيد، حيث وقع، ويصلح مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه، فجعل وروده للحصر مجازًا يحتاج إلى قرينة، وكلام غيره على العكس من ذلك، وأن الأصل ورودها للحصر، لكن قد يكون في شيء مخصوص، كقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: ١٧١] فإنه سيق باعتبار منكري الوحدانية، وإلا فلله - عز وجل - صفات أخرى كالعلم والقدرة، وكقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: ٧] فإنه سيق باعتبار منكري الرسالة، وإلا فله - صلى الله عليه وسلم - صفات أخرى كالبشارة إلى غير ذلك من الأمثلة، وهي فيما يقال: السبب في قول من منع إفادتها للحصر مطلقًا. انتهى (١).

وقال العراقيّ: إذا تقرر أنها للحصر، فتارة تقتضي الحصر المطلق، وهو الأغلب الأكثر، وتارة تقتضي حصرًا مخصوصًا، كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ}، وقوله: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: ٣٦] فالمراد حصره في النذارة لمن لا يؤمن، ونَفْي قدرته على ما طلبوا من الآيات، وأراد بالآية الثانية الحصر بالنسبة إلى من آثرها، أو هو من باب تغليب الغالب على النادر، وكذا قوله في الحديث: "إنما أنا بشر" أراد بالنسبة إلى الاطلاع على بواطن الخصوم، وبالنسبة إلى جواز النسيان عليه، قال ابن دقيق العيد: ويُفهم ذلك بالقرائن والسياق. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم.

(المسألة العاشرة): قال الحافظ العراقيّ - رحمه الله -: المراد بالأعمال هنا: أعمال الجوارح كلها حتى تدخل في ذلك الأقوال، فإنها من عمل اللسان، وهو من الجوارح، قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: ورأيت بعض المتأخرين من أهل


(١) "الفتح" ١/ ١٩.
(٢) "طرح التثريب" ٢/ ٦.