للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمعنى الثاني: بمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريك له أم لله وغيره؟.

وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهذه هي التي توجد في كلام السلف المتقدمين، وقد صنّف أبو بكر بن أبي الدنيا مصنَّفًا سمّاه "كتاب الإخلاص والنية"، وإنما أراد هذه النية، وهي النية التي يتكرر ذِكرها في كلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تارة بلفظ النية، وتارة بلفظ الإرادة، وتارة بلفظ مقارِب لذلك، وقد جاء ذِكرها كثيرًا في كتاب الله - عز وجل - بغير لفظ النية أيضًا من الألفاظ المقاربة لها، وإنما فرّق من فرّق بين النية، وبين الإرادة والقصد ونحوهما؛ لظنّهم اختصاص النية بالمعنى الأول الذي يذكره الفقهاء.

فمنهم من قال: النية تختص بفعل الناوي والإرادة لا تختص بذلك، كما يريد الإنسان من الله أن يغفر له، ولا ينوي ذلك، وقد ذكرنا أن النية في كلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة إنما يراد بها هذا المعنى الثاني غالبًا، فهي حينئذ بمعنى الإرادة، ولهذا يعبَّر عنها بلفظ الإرادة في القرآن كثيرًا كما في قوله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢]، وقوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: ٦٧]، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود: ١٥]، وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} [الشورى: ٢٠]، وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: ١٨]، وقوله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: ٥٢]، وقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية [الكهف: ٢٨]، وقوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} الآية [الروم: ٣٨]، وقوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)} [الروم: ٣٩].

وقد يُعَبَّر عنها في القرآن بلفظ الابتغاء، كما في قوله تعالى: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠)} [الليل: ٢٠]، وقوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآية [البقرة: ٢٦٥]، وقوله: {وَمَا تُنْفِقُونَ