للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} الآية [البقرة: ٢٧٢]، وقوله: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ} الآية [النساء: ١١٤]، فنفى الخير عن كثير مما يتناجى الناس به، إلا في الأمر بالمعروف، وخصّ من أفراده الصدقة، والإصلاح بين الناس بعموم نفعهما، فدلّ ذلك على أن التناجي بذلك خير، وأما الثواب عليه من الله فخصّه بمن فَعَله ابتغاء مرضات الله، وإنما جعل الأمر بالمعروف من الصدقة، والإصلاح بين الناس وغيرهما خيرًا، وإن لم يبتغ به وجه الله لِمَا يترتب على ذلك من النفع المتعدّي، فيحصل به للناس إحسان وخير، وأما بالنسبة إلى الأمر فإنْ قَصَد به وجه الله، وابتغاء مرضاته كان خيرًا له، وأثيب عليه، وإن لم يقصد ذلك لم يكن خيرًا له، ولا ثواب له عليه، وهذا بخلاف من صلى، وصام، وذكر الله يقصد بذلك عَرَض الدنيا، فإنه لا خير له فيه بالكلية؛ لأنه لا يتعدى نفعه إلى أحد، اللهم إلا أن يحصل لأحد اقتداء به في ذلك.

وأما ما ورد في السنة وكلام السلف من تسمية هذا المعنى بالنية فكثير جدًّا، ونحن نذكر بعضه:

كما خَرَّج الإمامُ أحمد، والنسائيّ، من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من غزا في سبيل الله، ولم ينو إلا عقالًا، فله ما نوى"، وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الْفُرُش، ورُبَّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيّته".

وأخرج ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُحشر الناس على نياتهم"، ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما يُبعث الناس على نياتهم"، وأخرج ابن أبي الدنيا من حديث عمر - رضي الله عنهما -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما يُبعث المُقتَتِلون على نيّاتهم"، وفي "صحيح مسلم" عن أم سلمة - رضي الله عنها -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعوذ عائذ بالبيت، فَيُبْعَث إليه بَعْثٌ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بهم"، فقلت: يا رسول الله فكيف بمن كان كارهًا؟ قال: "يُخسف به معهم، ولكنه يُبعث يوم القيامة على نيّته".

وفيه أيضًا عن عائشة - رضي الله عنها -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معنى هذا الحديث، وقال فيه: "يهلكون مَهلكًا واحدًا، ويَصْدِرون مصادر شتى، ويَبعثهم الله على نيّاتهم".