للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نيّات، ولا يَرِد هذا على الجهاد كما في مرسل عطاء الخراسانيّ، فإن الجهاد يلزم بحضور الصفّ ولا يجوز تَرْكه حينئذ، فيصير كالحج.

فأما إذا عمل العمل لله خالصًا ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك لم يضرّه ذلك.

وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذرّ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير، يحمده الناس عليه، فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن"، أخرجه مسلم.

وأخرجه ابن ماجه وعنده: الرجل يعمل فيحبه الناس عليه، وبهذا المعنى فسّره الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وابن جرير الطبريّ، وغيرهم.

وكذلك الحديث الذي أخرجه الترمذيّ وابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلًا قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيسرّه، فإذا اطُّلع عليه أعجبه، فقال: "له أجران أجر السرّ، وأجر العلانية".

ولنقتصر على هذا المقدار من الكلام على الإخلاص والرياء فإن فيه كفاية.

وبالجملة فما أحسن قول سهل بن عبد الله: ليس على النفس شيء أشقّ من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب، وقال يوسف بن الحسين الرازيّ: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر، وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرِّف بن عبد الله: اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه، ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلتُهُ لك على نفسي، ثم لم أوف به لك، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك، فخالط قلبي منه ما قد علمت. انتهى كلام الحافظ ابن رجب - رحمه الله - (١)، وهو كلام نفيس، وبحثٌ أنيس جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة والثلاثون): قال الحافظ العراقيّ - رحمه الله -: اختلفت الأحاديث الواردة في الهجرة هل انقطعت بفتح مكة، أم هي باقية؟.


(١) "جامع العلوم والحكم" ١/ ١١ - ١٦.