ففي "الصحيحين" من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنْفِرتم فانفروا".
وروى البخاريّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قوله:"لا هجرة بعد الفتح"، وفي رواية له:"لا هجرة اليوم، أو بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، ورَوَى البخاريّ أيضًا عن عُبيد بن عُمير سأل عائشة - رضي الله عنها - عن الهجرة، فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرُّ أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - مخافة أن يُفتَن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، والمؤمن يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية.
وروى البخاريّ ومسلم أيضًا عن مجاشع بن مسعود قال: انطلقت بأبي معبد إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليبايعه على الهجرة، قال:"مضت الهجرة لأهلها، أبايعه على الإسلام والجهاد"، وفي رواية أنه جاء بأخيه مُجالِد.
ورَوَى أحمد من حديث أبي سعيد الخدريّ، ورافع بن خَدِيج، وزيد بن ثابت أيضًا:"لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية".
فهذه الأحاديث دالة على انقطاع الهجرة.
وروى أبو داود، والنسائيّ من حديث معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".
وروى أحمد من حديث ابن السعدي مرفوعًا:"لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل".
ورَوَى أيضًا من حديث جنادة بن أبي أمية مرفوعًا:"إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد".
وجمع الخطابيّ في "المعالم" بين هذا الاختلاف بأن الهجرة كانت في أول الإسلام فرضًا، ثم صارت بعد فتح مكة مندوبًا إليها غير مفروضة، قال: فالمنقطعة منها هي الفرض، والباقية منها هي الندب، قال: فهذا وجه الجمع بين الحديثين على أن بين الإسنادين ما بينهما، حديث ابن عباس متصل صحيح، وحديث معاوية فيه مقال. انتهى.
وقال صاحب "النهاية": إن الجمع بينهما أن الهجرة هجرتان:
إحداهما: التي وعد الله عليه بالجنة كان الرجل يأتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويَدَع