للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أهله وماله، ولا يرجع في شيء منه، فلما فُتحت مكة انقطعت هذه الهجرة.

والثانية: من هاجر من الأعراب، وغزا مع المسلمين، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة، وهو المراد بقوله: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة". انتهى.

وفي حديث آخر ما يدلّ على أن المراد بالباقية هجر السيئات، كما رواه أحمد في "مسنده" من حديث معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الهجرة هجرتان؛ إحداهما تهجر السيئات، والأخرى تهاجر إلى الله وإلى رسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تُقبِّلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت طُبع على كل قلب بما فيه، وكُفيَ الناسُ العملَ".

ورَوَى أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "جاء رجل أعرابي جَاف جريء، فقال: يا رسول الله أين الهجرة إليك؟ حيث كنتَ، أم إلى أرض معلومة، أو لقوم خاصة، أم إذا متَّ انقطعت؟ قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم قال: "أين السائل عن الهجرة؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله، قال: "إذا أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، فأنت مهاجر، وإن متَّ بالحضرمة قال: يعني أرضًا باليمامة، وفي رواية له: "الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، ثم أنت مهاجر وإن مت بالحضر". انتهى كلام العراقيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(المسألة السادسة والثلاثون): قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: المتقرر عند أهل العربية أن الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر لا بدّ وأن يتغايرا، وههنا وقع الاتحاد في قوله: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله وجوابه أن التقدير: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا. انتهى (٢).

وقال في "الفتح" ما نصه: فإن قيل: الأصل تَغايُر الشرط والجزاء، فلا


(١) "طرح التثريب" ٢/ ٢٤.
(٢) "إحكام الأحكام" ١/ ٨٠.