للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقال مثلًا: من أطاع أطاع، وإنما يقال مثلًا: من أطاع نجا، وقد وقعا في هذا الحديث متحدين.

فالجواب: أن التغاير يقع تارة باللفظ، وهو الأكثر، وتارة بالمعنى، ويُفهم ذلك من السياق، ومن أمثلته قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (٧١)} [الفرقان: ٧١] وهو مؤوَّل على إرادة المعهود المستقرّ في النفس، كقولهم: أنت أنت؛ أي: الصَّديق الخالص، وقولهم: هم هم؛ أي: الذين لا يُقَدَّرُ قَدْرُهم، وقول الشاعر:

أنَا أبُو النَّجْمِ وَشعْري شعْري

أو هو مؤوّل على إقامة السبب مقام المسبَّب؛ لاشتهار السبب، وقال ابن مالك: قد يُقْصَد بالخبر الفرد بيانُ الشهرة، وعدم التغير، فيتحد بالمبتدإ لفظًا، كقول الشاعر [من الطويل]:

خَليلي خَليلي دُونَ ريب وَرُبَّمَا … ألانَ امرُؤٌ قَوْلًا فَظُنَّ خَليلَا

وقد يُفْعَل مثل هذا بجواب الشرط، كقولك: من قصدني فقد قصدني؛ أي: فقد قصد مَن عُرف بإنجاح قاصده، وقال غيره: إذا اتحد لفظ المبتدإ والخبر، والشرط والجزاء عُلم منهما المبالغة، إما في التعظيم، وإما في التحقير. انتهى (١).

(المسألة السابعة والثلاثون): قال الحافظ العراقيّ - رحمه الله -: لم يقل في الجزاء فهجرته إليهما، وإن كان أخصر، بل أتى بالظاهر، فقال: "فهجرته إلى الله ورسوله"، وذلك من آدابه - صلى الله عليه وسلم - في تعظيم اسم الله أن لا يُجْمَع مع ضمير غيره، كما قال للخطيب: "بئس الخطيب أنت" حين قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، وبَيَّن له وجه الإنكار، فقال له: "قل ومن يعص الله ورسوله"، وهذا يَدْفَع قول مَن قال: إنما أنكر عليه وقوفه على قوله: ومن يعصهما، وقد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضمير في موضع آخر، فقال فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تشهد. . الحديث، وفيه: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا


(١) "الفتح" ١/ ٢٣.