للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مناكحهم، وصار كل واحد من المسلمين كفؤًا لصاحبه، فهاجر كثير من الناس إلى المدينة؛ ليتزوج بها حتى سُمّي بعضهم مهاجر أم قيس.

وتعقبه في "الفتح" بأنه يحتاج إلى نقل ثابت أن هذا المهاجِر كان من الموالي، وأن المرأة كانت عربية، وبأنه ليس ما نفاه عن العرب على إطلاقه، بل قد زوّج خَلْق كثير منهم جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الإسلام، وإطلاقه أن الإسلام أبطل الكفاءة في مقام المنع. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: وإطلاق أن الإسلام أبطل الكفاءة إلخ فيه نَظَر لا يخفى، فإن إبطاله للكفاءة النسبيّة لا يخفى على من له إلمام بكتب السنّة، وقد عقد الإمام النسائيّ - رحمه الله - في "سننه": "باب تزوّج المولى العربيّة"، ثم أورد فيه قصّة زواج فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - لأسامة بن زيد - رضي الله عنهما -، وقد حقّقتُ المسألة في شرحي عليه، ورجّحت ما ذهب إليه مالك - رحمه الله - من أن الكفاءة في الدِّين لا في النسب، وقد تقدّم في هذا الشرح أيضًا في "كتاب النكاح"، فراجعه تستفد، والله تعالى وليّ التوفيق.

الرابع: أن هذا الحديث ورد على سبب، وهو أنه لمّا أمَر بالهجرة من مكة إلى المدينة تخلَّف جماعة عنها، فذمّهم الله بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: ٩٧]، ولم يهاجر جماعة لِفَقْد استطاعتهم، فعَذَرهم واستثناهم بقوله: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ} الآية [النساء: ٩٨]، وهاجر المخلصون إليه، فمدَحهم في غير ما موضع من كتابه، وكان في المهاجرون جماعة خالفت نيتهم نية المخلصين: منهم من كانت نيته تَزَوُّجَ امرأة بالمدينة من المهاجرات يقال لها: أم قيس، وادَّعَى ابن دحية أن اسمها: قيلة، فسمّي مهاجر أم قيس ولا يُعرف اسمه، فكان قَصْده بالهجرة نية التزوج لها، لا لفضيلة الهجرة، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وبيّن مراتب الأعمال بالنيات، فلهذا خصّ ذِكر المرأة دون سائر ما ينوي به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية؛ لأجل تبيين السبب؛ لأنها كانت أعظم أسباب فتنة الدنيا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء"، وذِكر الدنيا معها من باب زيادة


(١) "الفتح" ١/ ٢٤.