للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥ - (ومنها): أن فيه دليلًا على أنه لا دية في قتل المحاربين، ولا قَوَدَ؛ لأنه إذا كان مقتوله شهيدًا، وأُمر بقتاله، وأَخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه إن قُتل في النار، في يأمر الشرع به لا تَعَقّبَ على فاعله، ولا تَبِعَةَ عليه في الدنيا والآخرة، قاله القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

٦ - (ومنها): جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حَقّ، سواء كان المال قليلًا أو كثيرًا؛ لعموم الحديث، وهذا قول الجماهير من العلماء، وقال بعض أصحاب مالك: لا يجوز قتله إذا طلب شيئًا يسيرًا، كالثوب، والطعام، وهذا ليس بشيء، والصواب ما قاله الجماهير.

وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف، وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف بين العلماء، والمدافعة عن المال جائزةٌ، غير واجبة، قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قول النوويّ: "والمدافعة عن المال جائزةٌ، غير واجبة" هذا مذهبه، والأرجح أنه واجب؛ لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعطه"، وقوله: "قاتله".

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "لا تعطه"، و"قاتله" دليلٌ على أن المحارب لا يجوز أن يُعطَى شيئًا له بالٌ من المال إذا طلبه على وجه الحرابة ما أمكن، لا قليلًا، ولا كثيرًا، وأن المحارب يجب قتاله، ولذلك قال مالك - رَحِمَهُ اللهُ -: قتال المحاربين جهاد، وقال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: عوامّ العلماء على قتال المحارب على كلّ وجه، ومدافعته عن المال، والأهل، والنفس.

قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: اختلف المذهب - يعني: مذهب المالكية - إذا طلب الشيء الخفيف، كالثوب، والطعام، هل يُعطاه، أو يقاتل دونه؟ وهو مبنيّ على الخلاف في أصل المسألة، هل قتالهم مأمور به؛ لأنه تغيير منكر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قاتله"، أو هو مباحٌ، غير مأمور به.

قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح عندي أنه من باب تغيير المنكر، فيجب قتالهم؛ لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعطه"، وقوله: "قاتله"، من دون أن يستفصل بين القليل والكثير، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٥٦٠.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٦٥.