للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الخمسون، وهي آخر المسائل): النية أبلغ من العمل، كما قال التيميّ، ولهذا تُقبل النية بغير العمل، فإذا نوى حسنة، فإنه يُجزَى عليها، ولو عمل حسنة بغير نية لم يُجزَ به.

قال البدر العينيّ: فإن قيل: فقد ورد عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من همَّ بحسنة، ولم يعملها كُتبت له واحدة، ومن عمِلها كتبت له عشرًا"، وروي أيضًا أنه قال: "نية المؤمن خير من عمله"، فالنية في الحديث الأول دون العمل، وفي الثاني فوق العمل، وخير منه.

قلنا: أما الحديث الأول فلأن الهامَّ بالحسنة إذا لم يعملها خالف العامل؛ لأن الهامّ لم يعمل، والعامل لم يعمل حتى هَمَّ ثم عمل.

وأما الثاني: فلأن تخليد الله العبد في الجنة ليس لعمله، وإنما هو لنيّته؛ لأنه لو كان لعمله لكان خلوده فيها بقَدْر مدة عمله، أو أضعافه، إلا أنه جازاه بنيّته؛ لأنه كان ناويًا أن يطيع الله تعالى أبدًا لو بقي أبدًا، فلما اخترمته منيّته دون نيّته جزاه الله عليها وكذا الكافر؛ لأنه لو كان يجازى بعمله لم يستحق التخليد في النار إلا بقَدْر مدة كفره، غير أنه نوى أن يقيم على كفره أبدًا لو بقي فجزاه على نيّته.

وقال الكرماني: أقول: يحتمل أن المراد منه: أن النية خير من عمل بلا نية، إذ لو كان المراد: خير من عمل مع النية، يلزم أن يكون الشيء خيرًا من نفسه مع غيره. . . إلى آخر كلامه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: حديث: "نية المؤمن خير من عمله" ضعيف كما بيّنه السخاويّ في "المقاصد الحسنة"، لكنه قال: وتعدُّد طُرُقه يقوّي بعضها بعضًا، والله أعلم.

ومباحث هذا الحديث كثيرة تحتاج إلى مؤلَّف مستقلّ، وهذه المسائل المذكورات هنا غَيْض من فَيْض (٢)، كيف وقد قيل: إنه ثلث الإسلام؟ وقد أفرده بعضهم بتأليف مستقل، ولَنِعْم ما قيل [من الطويل]:


(١) "عمدة القاري" ١/ ٣٩.
(٢) يقال: أعطاه غيضًا من فيض؛ أي: قليلًا من كثير. قاله في "القاموس".