للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سفيان بن عوف، ثم تبعه يزيد بن معاوية، فيقال: إن الأوليّة لم تثبت ليزيد، وإنما هي لسفيان بن عوف، ومن معه.

والثالث: ما ذكره الحافظ في "الفتح" عن ابن التين، وابن الْمُنَيِّر أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاصّ؛ إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مغفور لهم" مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة، حتى لو ارتدّ واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتّفاقًا، فدلّ على أن المراد مغفور لمن وُجد شَرْط المغفرة فيه منهم.

قال صاحب "التكملة": إن الروايات، وإن اختلفت في تعيين أول جيش غزا القسطنطينيّة، وفيها مجال الاحتمالات، ولكن معظمها تدلّ على أن أول جيش غزاها كان تحت إمارة يزيد، وهو مؤيّد بروايات في "مسند أحمد" (١)، و"طبقات ابن سعد" (٢)، و"البداية والنهاية" (٣)، وكثير من التواريخ، ولكن أعدل الأقوال في دخول يزيد تحت هذه المغفرة ما ذكره الشيخ وليّ الله الدهلويّ - رحمه الله - في "شرح تراجم البخاريّ" (٤) وإليك نصّه: قوله: "مغفور لهم" تمسّك بعض الناس بهذا الحديث في نجاة يزيد؛ لأنه كان من جملة هذا الجيش الثاني، بل كان رأسهم ورئيسهم على ما يشهد به التواريخ، والصحيح أنه لا يثبت بهذا الحديث إلا كونه مغفورًا له ما تقدّم من ذنبه على هذه الغزوة؛ لأن الجهاد من الكفّارات، وشأن الكفّارات إزالة آثار الذنوب السابقة عليها، لا الواقعة بعدها، نعم لو كان مع هذا الكلام أنه مغفور له إلى يوم القيامة يدلّ على نجاته، وإذ ليس فليس، بل أمره مفوّضٌ إلى الله تعالى فيما ارتكبه من القبائح بعد هذه الغزوة.

وأما مَنْ طَعَن في حديث عُمير بن الأسود بسبب جهالته، فإنه أبعد النُّجْعة، وتوغّل في الأمر، فإن الحديث في "صحيح البخاريّ"، وقد اتّفق على صحّته، لم يطعنه أحد من جهابذة المحدّثين، {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} الآية [المائدة: ٨]، ولقد صدق الله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا


(١) "المسند" ٥/ ٤٢٣.
(٢) "الطبقات" لابن سعد ٣/ ٤٨٥.
(٣) "البداية والنهاية" لابن كثير ٨/ ٥٩.
(٤) ص ٣١.