للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومنهم من فرّق بين الرجل والمرأة، وهو عن مالك، فمَنَعه للمرأة مطلقًا، وحديث الباب حجة للجمهور، وقد تقدّم قريبًا أن أول من ركبه للغزو معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان - رضي الله عنهما -، وذكر مالك أن عمر - رضي الله عنه - كان يمنع الناس من ركوب البحر، حتى كان عثمان، فما زال معاوية يستأذنه حتى أَذِن له، أفاده في "الفتح".

وذكر في موضع آخر بعد أن ذكر نحو هذا ما نصّه: قال أبو بكر ابن العربيّ: ثم مَنَع منه عمر بن عبد العزيز، ثم أَذِن فيه مَن بَعْدَه، واستقرّ الأمر عليه، ونُقل عن عمر أنه إنما منع من ركوبه لغير الحجّ والعمرة، ونحو ذلك، ونقل ابن عبد البرّ أنه يَحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقًا، وكره مالك ركوب النساء مطلقًا البحر لِمَا يُخشى من اطلاعهنّ على عورات الرجال فيه، إذ يتعسّر الاحتراز من ذلك، وخصّ أصحابُهُ ذلك بالسفن الصغار، وأما الكبار التي يمكنهنّ فيهنّ الاستتار بأماكن تخصهّنّ، فلا حرج فيه. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تبيّن مما تقدّم أن الأرجح قول الجمهور، وهو جواز ركوب البحر للرجال والنساء، إذا غلب على الظنّ السلامة فيه؛ لظاهر حديث الباب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:

[٤٩٢٧] (. . .) - (حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ، وَهْيَ خَالَةُ أَنَسٍ، قَالَتْ: أَتَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا، فَقَالَ عِنْدَنَا (١)، فَاسْتَيْقَظَ، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ بأَبِي أنتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: "أُرِيتُ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ؛ كالمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "فَإنَّكِ مِنْهُمْ"، قَالَتْ: ثُمَّ نَامَ، فَاسْتَيْقَظَ (٢) أَيْضًا، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ"، قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدُ، فَغَزَا فِي الْبَحْرِ، فَحَمَلَهَا مَعَهُ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ قُرِّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ، فَرَكِبَتْهَا، فَصَرَعَتْهَا، فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا).


(١) وفي نسخة: "فنام عندنا".
(٢) وفي نسخة: "واستيقظ".