الأجانب عنهم، ثم قال الدمياطيّ: على أنه ليس في الحديث ما يدلّ على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد، أو خادم، أو زوج، أو تابع.
قال الحافظ: وهو احتمال قويّ، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله؛ لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم في الْحِجْر، وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردّها كونها لا تثبت إلا بدليل؛ لأن الدليل على ذلك واضح، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الحافظ - رحمه الله - حسنُ جدًّا.
وحاصله أنه لا مخرج من هذا الإشكال إلا بدعوى الخصوصيّة، ومما يُثبتها هنا الأدلّة الكثيرة في تحريم النظر إلى الأجنبيّة، وملامستها، والخلوة بها، فاتّضح بذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لِعِصْمَته جاز له أن تَفْلي أم حرام رأسه، وينام في حَجْرها، دون غيره من أمته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في جواز ركوب البحر:
(اعلم): أنه اختلف السلف في ذلك، فجوّزه الجمهور.
أخرج ابن أبي حاتم، من طريق عبد الله بن شَوْذَب، عن مطر الورّاق، أنه كان لا يرى بركوب البحر بأسًا، ويقول: ما ذكره الله تعالى في القرآن إلا بحقّ، ثم تلا:{وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} الآية [النحل: ١٤].
ومنعت منه طائفة، واحتجّوا بحديث زهير بن عبد الله يرفعه:"من ركب البحر إذا ارتجّ، فقد برئت منه الذّمّة"، وفي رواية:"فلا يلومنّ إلا نفسه"، أخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث"، لكن زهير مختلف في صحبته، وقد أخرج البخاريّ حديثه في "تاريخه"، فقال: عن زهير، عن رجل من الصحابة. وإسناده حسن.
وفيه أيضًا تقييد المنع بالارتجاج، ومفهومه: الجواز عند عدمه، وهو المشهور من أقوال العلماء، فإذا غلبت السلامة فالبَرّ والبحر سواء.
(١) "الفتح" ١٤/ ٢٤٧ - ٢٥٠، كتاب "الاستئذان" رقم (٦٢٨٤).