للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المكان الذي بين المسلمين، والكفّار؛ لحراسة المسلمين منهم، قال ابن التين: بشرط أن يكون غير الوطن، قاله ابن حبيب، عن مالك.

قال الحافظ: وفيه نظر، فقد يكون وطنه، وينوي بالإقامة فيه دفع العدوّ، ومن ثَمَّ اختار كثير من السلف سُكنى الثغور، فبين المرابطة والحراسة عموم وخصوص وجهيّ، واستدلال البخاريّ بالآية اختيارٌ لأشهر التفاسير، فعن الحسن البصريّ، وقتادة: {اصْبِرُوا} على طاعة الله، {وَصَابِرُوا} أعداء الله في الجهاد، {وَرَابِطُوا} في سبيل الله. وعن محمد بن كعب القرظبيّ: {اصْبِرُوا} على الطاعة، {وَصَابِرُوا} لانتظار الوعد، {وَرَابِطُوا} العدوّ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} فيما بينكم. وعن زيد بن أسلم: {اصْبِرُوا} على الجهاد، {وَصَابِرُوا} العدوَّ، {وَرَابِطُوا} الخيل.

قال ابن قتيبة: أصل الرباط: أن يَربِط هؤلاء خيلهم، وهؤلاء خيلهم؛ استعدادًا للقتال، قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠]. أخرج ذلك ابن أبي حاتم، وابن جرير، وغيرهما. وتفسيره برباط الخيل يرجع إلى الأول. وفي "الموطّأ" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "وانتظار الصلاة، فذلكم الرباط"، وهو في "السنن" (١) عن أبي سعيد.

وفي "المستدرك" عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن الآية نزلت في ذلك، واحتجّ بأنه لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزو فيه رباط. انتهى.

قال الحافظ: وحَمْل الآية على الأول أظهر، وما احتجّ به أبو سلمة لا حجّة فيه، ولا سيّما مع ثبوت حديث الباب (٢)، فعلى تقدير تسليم أنه لم يكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رباط، فلا يمنع ذلك من الأمر به، والترغيب فيه.


(١) بل أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وتقدّم في كتاب "الطهارة" برقم [٥٩٣] (٢٥١).
(٢) يعني: الحديث الذي أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعديّ - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الْغَدْوة خير من الدنيا وما عليها". انتهى.