للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَ عُقْبَةُ) - رضي الله عنه - (لَوْلَا كَلَامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ أُعَانِهِ) بضم الهمزة مضارع عانى، يقال: عاناه يعانيه معاناةً: إذا قاساه، كتعنّاه (١)؛ أي: لم أقاسه، ولم أتحمّل المشقّة فيه.

ووقع في معظم النسخ بلفظ: "لم أعانيه" بإثبات الياء مع الجازم، وهو لغة، ومنه قول الشاعر [من الوافر]:

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي … بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادَ

والأول أفصح، وقد سبق نظيره غير مرّة، والله تعالى أعلم.

(قَالَ الْحَارِثُ) بن يعقوب (فَقُلْتُ لـ) عبد الرحمن (ابْنِ شُمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟)؛ أي: الكلام الذي سمعه عقبة منه - صلى الله عليه وسلم -، (قَالَ) ابن شماسة (إِنَّهُ)؛ أي: النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ: "مَنْ عَلِمَ) بفتح أوله، وكسر ثانيه، (الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا)؛ أي: بمتّصل بنا، معدود في زمرتنا، وهو أشدّ ممّن لم يتعلّم؛ لأنه لم يدخل في زمرتهم، وهذا دخل، ثم خرج، كأنه رأى النقص فيه، أو استهزأ به، وكلّ ذلك كفران لتلك النعمة الخطيرة، قاله الطيبيّ (٢).

وقال النوويّ: هذا فيه تشديد عظيم لمن نسي الرمي بعد تعلّمه، وهو مكروه كراهة شديدةً لمن تَرَكه بلا عذر. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: ظاهر الوعيد يدلّ على تحريمه، فليُتأمّل، والله تعالى أعلم.

وقوله: (أَوْ) للشكّ من الراوي، هل قال - صلى الله عليه وسلم -: "فليس منّا أو قال: (قَدْ عَصَى")، وهو أيضًا وعيد شديد؛ لأن عصيان الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، خطر عظيم، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦]، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) راجع: "القاموس" ص ٩٢٢.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٦٦.