للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"معاوية - رضي الله عنه -" ذُكر قبله.

وقوله: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ) "مَن" موصولة تضمّنت معنى الشرط، فلذلك جُزم بها "يُرِدْ"، و"يُفَقِّهْهُ"؛ لأنهما فعل الشرط والجزاء.

وقوله: (خَيْرًا)؛ أي: منفعةً، وهو ضدُّ الشرّ، وهو هنا اسم، وليس بأفعل تفضيل، وإنما نكّره لإفادة التعميم؛ لأن النكرة في سياق الشرط كالنكرة في سياق النفي، فالمعنى: مَن يُرِد الله به جميع الخيرات، ويجوز أن يكون التنوين للتعظيم، والمقام يقتضي ذلك، كما في قول الشاعر:

لَهُ حَاجِبٌ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ يَشِينُهُ

أي: حاجبٌ عظيم، ومانعٌ قويّ.

وقوله: (يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) بجزم "يُفقّهه" على أنه جواب الشرط؛ أي: يجعله فقيهًا في الدين، والفقه لغةً: الفهم، وعُرفًا: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال، ولا يناسب هنا إلَّا المعنى اللغويّ؛ ليتناول فَهْم كلِّ عِلم من علوم الدين.

وقال في "الفتح": قوله: "يُفَقِّهْهُ"؛ أي: يُفَهِّمه، وهي ساكنة الهاء؛ لأنها جواب الشرط، يقال: فَقُه بالضم: إذا صار الفقه له سجيةً، وفَقَهَ بالفتح: إذا سبق غيرَهُ إلى الفهم، وفَقِهَ بالكسر: إذا فَهِمَ، ونَكَّر "خيرًا"؛ ليشمل القليل والكثير، أو التنكير للتعظيم؛ لأن المقام يقتضيه، ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين؛ أي: يتعلم قواعد الإسلام، وما يتصل بها من الفروع، فقد حُرِمَ الخير، وقد أخرج أبو يعلى حديثَ معاوية - رضي الله عنه - من وجه آخر ضعيف، وزاد في آخره: "ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به"، والمعنى صحيحٌ؛ لأن من لم يَعرف أمور دِينه لا يكون فقيهًا، ولا طالب فقه، فيصحُّ أن يوصف بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم. انتهى (١).

وقال صاحب "التكملة": وفي الحديث فضيلة ظاهرة للتفقّه في الدين، وليس ذلك علمًا بالألفاظ والنقوش، ولا حفظًا للروايات والجزئيّات، ولكنه


(١) "الفتح" ١/ ٢٩٠، كتاب "العلم" رقم (٧١).