للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فهذه منقبة لمصر في صدر الملة، واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة، لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار، وما زالت معدن العلم والدين، ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة، ومحط الرحال، ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر. انتهى كلام السيوطيّ - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي كون المراد هم أهل الشام أقرب؛ لكثرة ما يُصرَّح بذلك، ففي حديث أبي أمامة عند أحمد: أنهم ببيت المقدس، وللطبرانيّ من حديث النهديّ نحوه، وفي حديث أبي هريرة في "الأوسط" للطبرانيّ: "يقاتلون على أبواب دمشق، وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس، وما حوله، لا يضرّهم من خذلهم، ظاهرين إلى يوم القيامة".

فهذه النصوص كلها تؤيّد كون المراد بالغرب هو الشام، والله تعالى أعلم.

وقال الحافظ - رحمه الله - بعد ما تقدّم: ويُمكن الجمع بين الأخبار بأن المراد: قوم يكونون ببيت المقدس، وهي شاميّة، ويسقون بالدلو، وتكونوا لهم قوّة في جهاد العدوّ، وحِدّة، وجِدّ. انتهى (٢).

[تنبيه]: قال في "الفتح": اتّفق الشرّاح على أن معنى قوله: "على من خالفهم" أن المراد علوّهم عليهم بالغلبة، وأبعدَ من أبدع، فردّ ذلك على من جعل ذلك منقبةً لأهل الغرب أنه مذمّة؛ لأن المراد بقوله: "ظاهرين على الحقّ" أنهم غالبون له، وأن الحق بين أيديهم كالميت، وأن المراد بالحديث ذمّ الغرب وأهله، لا مَدْحهم. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: ما أبعدَ هذا التأويل عن سياقات أحاديث الباب كلها، فالحقّ أن أحاديث الباب كلّها إنما سيقت للمدح، لا للذمّ، سواء حديث سعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - هذا في أهل الغرب، أو الأحاديث التي قبله، فكلها مدح، لا ذمّ، فتأملها بالإنصاف، والله تعالى أعلم.


(١) "الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج" ٤/ ٥١٤.
(٢) "الفتح" ١٧/ ٢٠٣، كتاب "الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة" رقم (٧٣١٢).
(٣) "الفتح" ١٧/ ٢٠٣، كتاب "الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة" رقم (٧٣١٢).